وقال جماعة من السلف: إن المراد بقوله الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ من عدا النساء والصبيان والرهبان ونحوهم، وجعلوا هذه الآية محكمة غير منسوخة.
والمراد بالاعتداء- عند أهل القول الأول- هو: مقاتلة من لم يقاتل من الطوائف الكفرية، والمراد به- على القول الثاني- مجاوزة قتل من يستحق القتل إلى قتل من لا يستحقه.
[الآيتان الثامنة والتاسعة عشرة] وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) .
قال ابن جرير: الخطاب للمهاجرين، والضمير لكفار قريش. انتهى.
وقد امتثل رسول الله ﵌ أمر ربه فأخرج من مكة من لم يسلم عند أن فتحها الله عليه. وفي معنى الفتنة والمراد بها أقوال: والظاهر أن المراد الفتنة في الدين بأي سبب كان وعلى أي صورة اتفق فإنها أشد من القتل.
واختلف أهل العلم في قوله: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فذهبت طائفة إلى أنها محكمة وأنه لا يجوز القتال في الحرم إلا بعد أن يتعدى متعد بالقتال فيه فإنه يجوز دفعه بالمقاتلة، وهذا هو الحق.
وقالت طائفة: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: ٥] ويجاب عن هذا الاستدلال بأن الجمع هنا ممكن ببناء العام على الخاص: فيقتل المشرك حيث وجد إلا بالحرم. ومما يؤيد ذلك قوله ﵌: «إنها لم تحلّ لأحد قبلي «١» وإنها أحلت لي «٢» ساعة من نهار» «٣»، وهو في الصحيح.
وقد احتج القائلون بالنسخ [بقتله] «٤» ﵌ لابن خطل وهو متعلق بأستار
_________
(١) جاء في المطبوع [قبله] والمثبت عن فتح القدير [١/ ١٩١] .
(٢) جاء في المطبوع [له] والمثبت عن فتح القدير [١/ ١٩١] .
(٣) [متفق عليه] أخرجه البخاري [٤/ ٤٦] ح [١٨٣٣]، [١٨٣٢] ومسلم في الصحيح ح [١٣٥٥] .
(٤) وقع في المطبوع [بقوله] بدلا من [قتله] وهو خطأ والمثبت مستدرك من فتح القدير [١/ ١٩١] .
1 / 41