مرورا بالغا على اختلاف أنحائها وأتى عليها بصميم همته وعظيم نهمته بأكمل ما يكون حتى حصل منها على فوائد كثيرة وعوائد أثيرة أغنته عن الاستفادة عن أبناء الزمان وأقنعته عن مذاكرة فضلاء البلدان، وجمع بعونه تعالى وحسن توفيقه ولطف تيسيره من نفائس العلوم والكتب ومواد التفسير والحديث وأسبابها ما يعسر عده ويطول حده.
وأوعى من ضروب الفضائل العلمية والتحقيقات النفسية ما قصرت عنه أيدي أبناء الزمان، ويعجز دون بيانه ترجمان اليراع عن إبراز هذا الشأن، ولله الحمد على ما يكون وعلى ما كان. ثم ألقى عصا التسيار والترحال بمحروسة بهوبال، من بلاد مالوة الدكن فنزل بها نزول المطر على الدمن وأقام بها وتوطن وأخذ الدار والسكن، وتمول وتولد واستوزر وناب وألف وصنف وعاد إلى العمران من بعد خراب. وكان فضل الله عليه عظيما جزيلا والحمد لله الذي فضله على كثير ممن خلق تفضيلا، ثم اختص بعونه تعالى وصونه بتدوين علوم الكتاب العزيز وأحكام السنّة المطهرة البيضاء وتلخيصها وتخليص أحكامها من شوب الآراء ومفاسد الأهواء. وهذا إن شاء الله تعالى خاص به في هذا العهد الأخير. والله يختص برحمته من يشاء كيف وعلماء الأقطار الهندية وإن بالغ بعضهم في الإرشاد إلى اتباع السنّة وقرره في مؤلفاته وحرره في مصنفاته على وجه ثبت به على رقاب أهل الحق والمنّة، وشمر بعضهم عن ساق الجد والاجتهاد في الدعوة إلى اعتقاد التوحيد ورد الشرك والتقليد باللسان والبيان، بل بالسيف والسنان. لكن لم يدون أحد منهم أحكام الكتاب العزيز وعلوم السنّة المطهرة من العبادة والمعاملة وغيرها خالصة عن آراء الرجال نقية عن أقوال العلماء على هذه الحالة المشاهدة في كتبه المختصرة والمطولة كالروضة الندية ومسك الختام شرح بلوغ المرام، وعون الباري، وفتح البيان، ورسالة القضاء والإفتاء والإمامة والغزو والفتن والنار وغير ذلك مما طبع واشتهر وشاع وسارت به الركبان إلى أقطار العالم من العرب والعجم كالحجاز واليمن، وما إليها ومصر والعراق والقدس وطرابلس وتونس والجزائر ومدن الهند والسند وبلغار ومليبار وبلاد الفرس. وهذا من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين وكتب إليه علماء الآفاق ومحرروها ومحدثو الديار ومفسروها كتبا كثيرة أثنوا فيها على تلك التواليف ودعوا له بإخلاص الفؤاد لحسن الدنيا والأخرى تقبل الله فيه هذه الدعوات وختم بالحسنى وأحسن إليه بتيسير المنجيات، وهذه الخطوط والرقائم قد ألحقت في خواتيم مؤلفاته فانظر إليها في تضاعيف محرراته يتضح لك القول الحق والكلام الصدق إن شاء
1 / 4