كَذَا، وَسَرَدَهَا إلَى آخِرِهَا، وَقَدْ رَضِينَا عَنْك بِإِعَادَةِ أَجْوِبَةِ الْجَمِيعِ فَخَضَعَ لَهُ وَابْتُهِرَ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَمْدَانَ: كُنْت أُطَالِعُ عَلَى دَرْسِ الشَّيْخِ وَمَا أُبْقِي مُمْكِنًا، فَإِذَا أَصْبَحْت وَحَضَرْت يَنْقُلُ أَشْيَاءَ غَرِيبَةً لَمْ أَعْرِفْهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَجَدْنَاهُ عَجِيبًا فِي سَرْدِ الْمُتُونِ وَحِفْظِ الْمَذَاهِبِ بِلَا كُلْفَةٍ، وَسَافَرَ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ إلَى الْعِرَاقِ لِيَخْدُمَهُ وَلَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَكَانَ يَبِيتُ عِنْدَهُ يَسْمَعُهُ يُكَرِّرُ مَسَائِلَ الْخِلَافِ فَيَحْفَظُ الْمَسْأَلَةَ.
وَأَبُو الْبَقَاءِ شَيْخُهُ فِي النَّحْوِ وَالْفَرَائِضِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ غُنَيْمَةَ شَيْخُهُ فِي الْفِقْهِ، وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ سِتَّةَ أَعْوَامٍ مُكِبًّا عَلَى الِاشْتِغَالِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إلَى بَغْدَادَ قَبْلَ الْعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَتَزَيَّدَ مِنْ الْعِلْمِ وَصَنَّفَ التَّصَانِيفَ مَعَ الدِّينِ، وَالتَّقْوَى وَحُسْنِ الِاتِّبَاعِ. وَتُوُفِّيَ بِحَرَّانَ يَوْمَ الْفِطْرِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِجَدِّهِ: تَيْمِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ حَجَّ عَلَى دَرْبِ تَيْمَاءَ فَرَأَى هُنَاكَ طِفْلَةً، فَلَمَّا رَجَعَ وَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا فَقَالَ: يَا تَيْمِيَّةَ يَا تَيْمِيَّةَ فَلُقِّبَ بِذَلِكَ.
وَقِيلَ: إنَّ أُمَّ جَدِّهِ كَانَتْ تُسَمَّى تَيْمِيَّةَ، وَكَانَتْ وَاعِظَةً، وَقَدْ يَلْتَبِسُ عَلَى مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ صَاحِبُ التَّرْجَمَةِ هَذَا بِحَفِيدِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَلِيمِ شَيْخِ ابْنِ الْقَيِّمِ الَّذِي لَهُ الْمَقَالَاتُ الَّتِي طَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِيهَا الْخِصَامُ، وَأُخْرِجَ مِنْ مِصْرَ بِسَبَبِهَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
قَالَ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَرْجَمَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: هُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُفْتِي عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْحَرَّانِيِّ وَعَمُّ الْمُصَنِّفِ الَّذِي أَشَارَ الذَّهَبِيُّ فِي أَوَّلِ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ، تَرْجَمَ لَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي تَارِيخِهِ فَقَالَ: هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَضِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيِّ الْمُلَقَّبُ فَخْرُ الدِّينِ الْخَطِيبُ الْوَاعِظُ الْفَقِيهُ الْحَنْبَلِيُّ كَانَ فَاضِلًا تَفَرَّدَ فِي بَلَدِهِ بِالْعِلْمِ.
ثُمَّ قَالَ: وَكَانَتْ إلَيْهِ الْخَطَابَةُ بِحَرَّانَ وَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُ جَارِيًا عَلَى سَدَادٍ، وَمَوْلِدُهُ فِي أَوَاخِرِ شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِمَدِينَةِ حَرَّانَ، وَتُوُفِّيَ بِهَا فِي حَادِيَ عَشَرَ صَفَرٍ سَنَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ أَبُوهُ أَحَدَ الْأَبْدَالِ وَالزُّهَّادِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [الفاتحة: ٢] الَّذِي ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان: ٢] افْتَتَحَ الْكِتَابَ بِحَمْدِ اللَّهِ ﷾ أَدَاءً لِحَقِّ شَيْءٍ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ، الَّتِي مِنْ آثَارِهَا تَأْلِيفُ هَذَا الْكِتَابِ، وَعَمَلًا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الِابْتِدَاءِ بِهِ كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ وَأَبِي عَوَانَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْهُ ﷺ: «كُلُّ كَلَامِ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ فَهُوَ أَجْذَمُ» . وَاخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ،
1 / 16