كان الحسن بن علي يوما جالسا فجاءه رجل وسأله شيئا من الصدقة، ولم يكن عنده ما يسد به رمقه فاستحيا أن يرده، فقال: ألا أدلك على شيء يحصل لك منه البر؟ فقال: ماذا تدلني عليه؟ قال: اذهب إلى الخليفة، فإن ابنته توفيت، وانقطع عليها، وما سمع من أحد تعزية؛ فعزه بهذه التعزية يحصل لك بها الخير. فقال: حفظني إياها. قال: قل له: «الحمد لله الذي سترها بجلوسك على قبرها، ولا هتكها بجلوسها على قبرك»، فذهب إلى الخليفة وعزاه بهذه التعزية؛ فسمعها، فذهب عنه الحزن فأمر له بجائزة، وقال: بالله عليك أكلامك هذا؟ قال: لا، بل كلام فلان. فقال: صدقت؛ فإنه معدن الكلام الفصيح. وأمر له بجائزة أخرى.
عدل عضد الدولة
وقال أيضا: بلغني عن عضد الدولة أنه كان في بعض أمرائه شاب تركي، وكان يقف عند روزنة ينظر على امرأة فيها، فقالت المرأة لزوجها: قد حرم علي هذا التركي أن أتطلع في الروزنة؛ فإنه طول النهار ينظر إليها، وليس فيها أحد، فلا يشك الناس أن لي معه حديثا، وما أدري كيف أصنع؟ فقال زوجها: اكتبي إليه رقعة، وقولي فيها: لا معنى لوقوفك فتعال إلي بعد العشاء إذا غفل الناس في الظلمة، فإني خلف الباب. ثم قام وحفر حفرة طويلة خلف الباب، ووقف له فلما جاء التركي فتح له الباب فدخل، فدفعه الرجل فوقع، وطموا عليه، وبقي أياما لا يدرى ما خبره؟ فسأل عنه عضد الدولة؛ فقيل له: ما لنا به خبر، فما زال يعمل فكره إلى أن بعث يطلب مؤذن المسجد المجاور لتلك الدار، فأخذه أخذا عنيفا في الظاهر، ثم قال له: هذه مائة دينار خذها وامتثل ما آمرك، إذا رجعت إلى مسجدك فأذن الليلة بالليل واقعد في المسجد، فأول من يدخل عليك ويسألك عن سبب إنفاذي إليك فأعلمني به. فقال: نعم، ففعل ذلك، وكان أول من دخل ذلك الشيخ، فقال له: قلبي عليك، وأي شيء أراد منك عضد الدولة؟ فقال: ما أراد مني شيئا، وما كان إلا الخير، فلما أصبح أخبر عضد الدولة بالحال فبعث إلى الشيخ، فأحضره ثم قال له: ما فعل التركي؟ فقال: أصدقك الخبر، لي امرأة رشيدة مستحسنة، كان يراصدها ويقف تحت روزنتها، فرحت - من خوف الفضيحة بوقوفه - ففعلت به كذا وكذا. فقال: اذهب إلى دعة الله، فما سمع الناس ولا قلنا.
القسم الثاني
في نوادر الفلاسفة والحكماء
الفلاسفة والحكماء
وصية لقمان لابنه
قال لقمان لابنه: لا تركن إلى الدنيا، ولا تشغل قلبك بها؛ فإنك لم تخلق لها، وما خلق الله خلقا أهون عليه منها، فإنه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين، ولا بلاءها عقوبة للعاصين، يا بني، لا تضحك من غير عجب، ولا تمش في غير أدب، ولا تسأل عما لا يعنيك، يا بني، لا تضع مالك وتصلح مال غيرك، فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما تركت، يا بني، إن من يرحم يرحم، ومن يصمت يسلم، ومن يقل الخير يغنم، ومن يقل الباطل يأثم، ومن لا يملك لسانه يندم، يا بني، زاحم العلماء بركبتيك، وانصت إليهم بأذنيك، فإن القلب يحيا بنور العلماء كما تحيا الأرض الميتة بمطر السماء.
لقمان ومولاه
كان لقمان عبدا أسود لبعض أهل الأيلة، فقال له مولاه: اذبح لنا شاة، وأتنا بأطيب مضغة. فأتاه باللسان، فقال له: اذبح لي أخرى وائتني بأخبث مضغة. فأتاه باللسان! فقال له في ذلك، فقال: ما شيء أطيب منه إذا طاب، ولا أخبث منه إذا خبث.
Bilinmeyen sayfa