أبو العباس والأعرابي
خرج أبو العباس أمير المؤمنين متنزها بالأنبار، فأمعن في نزهته، وانتبذ من أصحابه طواف خباء لأعرابي، فقال له الأعرابي: ممن الرجل؟ قال: من كنانة. قال: من أي كنانة؟ قال: من أبغض كنانة إلى كنانة! قال: فأنت إذا من قريش؟ قال: نعم. قال: فمن أي قريش؟ قال: من أبغض قريش إلى قريش! قال: فأنت إذا من ولد عبد المطلب؟ قال: نعم. قال: فمن أي ولد عبد المطلب أنت؟ قال: من أبغض ولد عبد المطلب إلى ولد عبد المطلب! قال: فأنت إذا أمير المؤمنين! السلام عليك يا أمير المؤمنين. فاستحسن ما رأى منه وأمر له بجائزة.
الخليفة والأصمعي
من ألطف ما اتفق أن بعض الخلفاء كان يحفظ الشعر من مرة، وعنده مملوك يحفظه من مرتين، وجارية من ثلاث مرات، وكان بخيلا جدا، فكان الشاعر إذا أتاه بقصيدة قال له: إن كانت مطروقة بأن يكون أحد منا يحفظها نعلم أنها ليست لك فلا نعطيك عليها جائزة، وإن لم نكن نحفظها فعطيتك وزن ما هي فيه مكتوبة. فيقرأ الشاعر القصيدة، فيحفظها الخليفة من أول مرة ولو كانت ألف بيت، ويقول للشاعر: أسمعها علي فإني أحفظها! وينشدها بكمالها، ثم يقول: وهذا المملوك أيضا يحفظها - وقد سمعها المملوك مرتين: مرة من الشاعر، ومرة من الخليفة فيحفظها ويقرأها - ثم يقول الخليفة: وهذه الجارية التي وراء الستر تحفظها أيضا - وقد سمعتها ثلاث مرات: مرة من الشاعر، ومرة من الخليفة، ومرة من المملوك، فتقرأها بحروفها - فيخرج الشاعر صفر اليدين، وكان الأصمعي من جلسائه وندمائه، فنظم أبياتا مستصعبة، ونقشها في أسطوانة، ولفها في ملاءة، وجعلها على ظهر بعير، ولبس جوخة بدوية مفرجة من وراء ومن قدام، وضرب له لثاما لم يبن منه غير عينيه، وجاء إلى الخليفة، وقال: إني امتدحت أمير المؤمنين بقصيدة. قال: يا أخا العرب إن كانت لغيرك فلا نعطيك لها جائزة، وإن كانت لك نعطيك زنة ما هي مكتوبة فيه. قال: قد رضيت. وأنشد:
صوت صفير البلبل
هيج قلب الثمل
الماء والزهر معا
مع حسن لحظ المقل
وأنت حقا سيدي
وسؤددي وموللي
Bilinmeyen sayfa