إحسان محمد بن حميد الطويسي إلى عدوه
حكي عن محمد بن حميد الطويسي أنه كان يوما على غذائه وإذا بضجة عظيمة على الباب، فرفع رأسه، وقال لغلمانه: ما هذه الضجة؟! من كان عند الباب فليدخل؟ فخرج الغلام وعاد، وقال: يا مولاي، إن فلانا أخذ وجيء به موثقا بالحديد، والغلمان والشرط ينتظرون أمرك فيه. فرفع يده عن الطعام سرورا بأخذه، فقال رجل ممن حضر عنده: الحمد لله الذي أمكنك من عدوك، فسبب لك أن تسقي الأرض من دمه! وقال آخر: بل يصلب حيا ويعذب حتى يموت! وتكلم كل أحد بما وفق له، وهو ساكت مطرق، ثم رفع رأسه، وقال: يا غلام، فك عنه وثاقه، وادخله إلينا مكرما! فلم يكن بأسرع مما امتثل أمره وأدخل إليه رجلا لا دم فيه، فلما رآه هش له، ورفع مجلسه، وأمر بتجديد الطعام، وجعل يبسطه ويملقه، حتى انتهى الطعام، ثم أمر له بكسوة حسنة، وصلة جميلة، وأمر برده إلى أهله مكرما، ولم يعاتبه بحرف واحد على جفائه، ثم التفت إلى جلسائه، وقال لهم: إن أفضل الأصحاب من حض الصاحب على المكارم، ونهاه عن ارتكاب المآثم، وحسن له أن يجازي الإحسان بضعفه، والإساءه عمن أساء إليه بصفحه، إنا إذا جازينا من أساء إلينا بمثل ما أساء فأين موضع الشكر عما أتيح من الظفر؟! إنه ينبغى لمن يحضر مجالس الملوك أن يمسك إلا عن قول سديد وأمر رشيد؛ فإن ذلك أدوم للنعمة، وأجمع للألفة، إن الله تعالى يقول:
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم (الأحزاب: 70-71).
الحجاج وأحد بني تميم
لما ظفر الحجاج بمحمد بن عبد الرحمن بن الأشعث - وكان قد خرج عليه، وخلع عبد الملك بن مروان - فأمر بضرب أعناق الجند الذين ظفر بهم حتى أتى على رجل من بني تميم، فقال: والله أيها الأمير لئن أسأنا في الأدب لما أحسنت في العقوبة. فقال الحجاج: أف لهذه الجيف! أما كان فيهم من يحسن مثل هذا؟! وأمر بإطلاق من بقي، وعفا عنهم.
أبو دلامة ومروان بن محمد
خرج مروان بن محمد لمحاربة الضحاك الحروري، فلما التقى الجمعان خرج من أصحاب الضحاك فارس فدعا إلى البراز، فقال مروان: من يخرج إليه وله عشرة آلاف درهم؟ فقال أبو دلامة: أنا. وخرج طمعا في الجائزة، فرأى رجلا عظيم الهامة، وعليه فرو قد أصابته السماء فابتل، ولفحته الشمس فيبس حتى صار كالقطة لا يعمل فيها السيف، فلما رآه الفارس جرى إليه وهو يرتجز:
وخارج أخرجه حب الطمع
فر من الموت وفي الموت وقع
من كان يهوى أهله فلا رجع
Bilinmeyen sayfa