قيل لكسرى: أي الملوك أفضل؟ قال: الذي إذا جاورته وجدته عليما، وإذا خبرته وجدته حكيما، وإذا غضب كان حليما، وإذا ظفر كان كريما، وإذا استمنح منح جسيما، وإذا وعد وفى وإن كان الوعد عظيما، وإذا اشتكي إليه وجد رحيما.
أنوشروان والفتاة
خرج كسرى أنوشروان إلى الصيد يوما واعتزل عسكره، فعطش، فرأى ضيعة قريبة منه، فقصدها حتى وقف على باب دار قوم، وطلب منهم الماء ليشرب، فخرجت له فتاة، فلما رأته عادت إلى البيت مسرعة، فدقت قصبة سكر، ومزجتها بماء، وخرجت به في قدح إليه، فنظر القدح، فرأى فيه شرابا وقذى، فشرب منه شيئا فشيئا حتى انتهى إلى آخره، ثم قال: نعم الماء لولا ما فيه من القذى! فقالت له الفتاة: أنا ألقيت القذى عمدا. فقال لها: ولم فعلت ذلك؟
فقالت: لما رأيتك شديد العطش خشيت أن تشربه مرة واحدة، فيضر بك شربه. فعجب كسرى من ذكائها وفطنتها، وقال: كم عصرت فيه من قصبة؟ فقالت: عصرت فيه قصبة واحدة. فعجب من ذلك، فلما مضى طلب اسم المكان، وكان قد نسيه، فرأى خراجه قليلا، فحدث نفسه أن يزيد في خراجه، وبعد حين مر بذلك المكان منفردا، ووقف على ذلك الباب، وطلب الماء ليشرب، فخرجت له الصبية عينها، ورأته فعرفته، وعادت مسرعة لتمزج له الماء فأبطأت عليه، فلما خرجت إليه قال لها: قد أبطأت! فقالت له: لم تمزج حاجتك من قصبة واحدة، بل من ثلاث قصبات. فقال: وما سبب ذلك؟! فقالت: من تغير نية الحاكم؛ فقد سمعنا أنه إذا تغيرت نية السلطان على قوم زالت بركاتهم، وقلت خيراتهم. فضحك أنوشروان، وأزال ما كان في نفسه من زيادة الخراج، ثم تزوج بتلك الفتاة؛ لعجبه من فصاحتها.
كسرى وبزرجمهر الوزير
قال أنوشروان لبزرجمهر: أي الأشياء خير للمرء؟ قال: عقل يعيش به. قال: فإن لم يكن؟ قال: فإخوان يسترون عيبه. قال: فإن لم يكن؟ قال: فمال يتحبب به إلى الناس. قال: فإن لم يكن؟ قال: فعي صامت. قال: فإن لم يكن؟ قال: فموت جارف.
كسرى أنوشروان والغلام
أراد كسرى كاتبا لأمر أعجله، فلم يوجد غير غلام صغير يصحب الكتاب، فدعاه فقال: ما اسمك؟ قال: مهرماه. قال: اكتب ما أملي عليك. فكتب قائما أحسن من غيره قاعدا، ثم قال له: اكتب في هذا الكتاب من تلقاء نفسك، ففعل، وضم إلى الكتاب رقعة فيها: «إن الحرمة التي أوصلتني إلى سيدنا لو وكلت فيها إلى نفسي لقصرت أن أبلغ إليها، فإن رأى أن لا يحطني إلى ما هو دونها فعل»، فقال كسرى: أحب مهرماه أن لا يدع في نفسه لهفة يتلهف عليها بعد إمكان الفرصة، وقد أمرنا له بما سأل.
نباهة كسرى
فر كسرى من ملاقاة بهرام جور، فاتبعه الجيش، وكان قد أعد معه فصوصا من زجاج مختلفة الألوان والأصباغ ودنانير من صفرة مغشاة بالذهب، فلما خاف أن يدركه الطلب نثر تلك الدنانير والفصوص على الأرض؛ فاشتغل الناس بجمعها فنجا بنفسه.
Bilinmeyen sayfa