تقديم الكتاب
الفاتحة
تمهيد
بعد السجن
نابغة المحتالين
كيف غدا حافظ من ذوي الأملاك
حافظ والحسناء
في قهوة الرقص
حافظ في القهوة المصرية
حيلة في مصرف مالي كبير
Bilinmeyen sayfa
فشل حافظ
في أديرة الأقباط الأرثوذكس
من نوادر حافظ نجيب
تقديم الكتاب
الفاتحة
تمهيد
بعد السجن
نابغة المحتالين
كيف غدا حافظ من ذوي الأملاك
حافظ والحسناء
Bilinmeyen sayfa
في قهوة الرقص
حافظ في القهوة المصرية
حيلة في مصرف مالي كبير
فشل حافظ
في أديرة الأقباط الأرثوذكس
من نوادر حافظ نجيب
نوادر حافظ نجيب
نوادر حافظ نجيب
تأليف
جورج طنوس
Bilinmeyen sayfa
فكرة الإنسان تجعله
صورة أبقى من الأثر
فافتكر في الخير تفعله
فحياة الناس «بالخبر»
جورج طنوس
مؤلف الكتاب
تقديم الكتاب
إلى حضرة الصديق الفاضل المهذب فوزي أفندي ناشد حنا عمدة أشروبه، ونجل سعادة السري الوجيه ناشد بك حنا عضو الجمعية العمومية عن مديرية المنيا.
أيها الصديق
هذا - أعزك الله - كتاب يشتمل على نوادر محتال شهير، أوتي ذكاء نادرا فاستخدمه في نصب الشراك لإخوانه من بني الإنسان، فرأيت أن أرفعه تقدمة إليك ليظهر الفرق العظيم بين الشاب الذي يستخدم ذكاءه في توطيد دعائم الأمن العام ونفع المجتمع الإنساني مثلك، وبين الشاب الذي على شاكلة حافظ نجيب الذي لا يلذ له إلا أن يمتاز على الأنداد بما ينصبه من فخاخ الخداع وأشراك الاحتيال، والضد يظهر حسنه الضد.
Bilinmeyen sayfa
بل أقدمه إليك ليعلم القارئون أجمعون أن الذكاء مطية الأفاضل كما هو مطية الأشرار؛ فقد أظهرت مع حداثة عهدك بخدمة الهيئة الاجتماعية في منصب العمدية الذي قلدته عن عدل واستحقاق ذكاء نادرا في حفظ الأمن العام في البلد الذي انتخبك أهلوه رئيسا له، حتى غدوا لسانا ناطقا بشكرك والثناء عليك.
فلا زلت عاملا أمينا لشعبك وحكومتك، وقرة لعين أبيك، وفخرا لآلك، وزهرة ناضرة بين محبيك.
جورج
خط نجيب هواري.
الفاتحة
الحمد لله وكفى.
أما بعد؛ ما ظهر كتاب نابغة المحتالين أو حافظ نجيب حتى تهافت عليه القارئون ونفدت نسخه في أيام وجيزة؛ إذ راج رواجا نادرا لم يرو عن كتاب عربي قبل الآن، وليس ذلك لأن موضوع الكتاب علمي أو فلسفي، بل لأن المصريين شاقهم كثيرا الاطلاع على حيل واحد منهم نبغ في الاحتيال؛ إذ إن ظهور مثل المحتال الكبير «حافظ نجيب» بين أظهرنا مما يدعو إلى العجب الشديد، وما ذلك إلا لأن سكان هذا الوادي الجميل لم يألفوا جر المغنم من باب الاحتيال، ولم يعمل منهم على جمع المال من طرق محرمة في عرف الله والناس إلا نفر قليل جدا لا يذكر في جانب مجموع الساكنين.
هذا هو السبب الذي دفع الناس إلى التهافت على كتاب نابغة المحتالين لا سواه، وهو من دواعي الشرف للمصريين؛ لأنه يثبت أن المحتالين بينهم قليلون، ولذلك يأخذهم العجب من كل جانب إذا هم سمعوا بمصري جنح إلى الاحتيال ونبغ فيه، تلك سنة الله في هذا الشعب الكريم الخلال، الشريف العواطف، ولن تجد لسنة الله تبديلا. •••
ولقد كان الأكثرون ينتظرون مني أن أورد لهم في ذلك الكتاب كل ما أعلم من حكايات حافظ نجيب الغريبة وحيله المدهشة العجيبة، ولكن رأيت أن أنشر للقارئين قبل ذلك كله تلك الرواية التي خطها بقلمه وهو في سجن الحضرة ليعلموا منها أن الإنسان لا يخلق ميالا إلى الشر، ولكن هي الظروف تجعل الحمل ذئبا خاطفا، والملك الكريم شيطانا رجيما.
فإذا ما رأيت سارقا قيد إلى السجن مكبلا بالأغلال، أو قاتلا انتزع روح أخيه من بين جنبيه، لا تبسط يديك لاستنزال اللعنات عليه، بل اطلب له من الله الرحمة، وللذين سهلوا له سبيل الجرم الغفران.
Bilinmeyen sayfa
أقول هذا لأنني أعتقد أن الشرير إذا لقي من يردعه عن غيه، ويعمل على إصلاح ما اعوج من أخلاقه، رجع عن الشر وارعوى، وكذلك قل عن الشاب الصالح، فهو إذا عاشر الأشرار ومازج الماكرين الخادعين ساء مصيره، وما مصيره إلا إلى التعس والهوان.
جورج طنوس
تمهيد
ما سقط حافظ نجيب في أيدي رجال البوليس وسيق إلى ظلمة السجن، حتى عرف أن كل امرئ معاقب على ما جنته يداه فاسودت الدنيا في عينيه، وندم على ما أتاه من الاحتيال والخداع مع حضرة الكاتبة الفاضلة البرنسس ألكسندره آفرينو، ولكن لات ساعة مندم.
ولقد عرف القارئون أن رجل البوليس السري قبض على حافظ نجيب بينما كان راكبا دوكارا وسائرا به قبيل الغروب في شارع وجه البركة حيث يزدحم طلاب الغرام الفاسد وعشاق الليالي.
ومنه سيق إلى سجن الإسكندرية بعد أن أجرى رجال البوليس هنا التحقيق الابتدائي معه وحوكم أمام محكمتها الأهلية، وكان في كرسي النيابة يوم محاكمته سعادة القانوني محمد بك محفوظ رئيس نيابتها سابقا والمستشار الآن في محكمة الاستئناف.
وقد روت صحف الثغر الإسكندري أثناء محاكمته حكاية مدهشة مؤداها أن المحامي الذي ندبته المحكمة للدفاع عن حافظ مجانا قال في يوم الجلسة إنه متنازل عن الدفاع عنه؛ لأنه احتال عليه فأخذ منه أربعة جنيهات بدلا من أن يعطيه ما يشجعه على الإجادة في دفاعه، ولذلك هو يخشى أن يسلبه ساعته وكل ما يملك إذا ترافع في دعواه، فأغرب الحاضرون في الضحك وكانوا كثيرين!
وقال توفيق أفندي فرغلي إنه خشي الدنو منه يوم المحاكمة مخافة أن يسلبه قلمه، وهو كل ما يملك في هذه الدنيا.
وقال طانيوس أفندي عبده: ما ذكر حافظ نجيب أمامي يوما حتى تمثل لي في الحال روكامبول.
وروكامبول هذا كان آية المحتالين في زمانه، وله رواية مؤلفة من 17 جزءا، وهي أشهر من أن تذكر.
Bilinmeyen sayfa
ولما تنازل المحامي المشار إليه عن الدفاع عنه، قال حافظ إنه سيدافع عن نفسه بنفسه، وإنه في غنى عن جميع المحامين، فأظهر في مرافعته اقتدارا غريبا حتى أعجب به البعض وبكى الآخرون.
ومما يروى عن محاكمته أنه جيء بشاهد إثبات كان قبل القبض على حافظ نجيب محسوبا عليه، فشهد شهادة تثبت الجرم على حافظ، وعند ذاك التفت رئيس المحكمة إليه وقال: «وما قولك الآن في شهادة هذا الرجل الذي طالما غمرته بإنعامك؟»
فأجابه حافظ لساعته: لقد كنت إلى ما قبل اليوم ماديا لا أعرف ما هي الأديان ولا أعترف بالأنبياء الأطهار، أما الآن فقد عرفت أن نبينا محمدا نبي كريم إذ قال: «أبت النفس الخبيثة أن تخرج من جسم صاحبها قبل أن تسيء إلى من أحسن إليها.»
وقد جاء هذا الحديث الشريف مصداقا لما ورد عن ذلك الشاهد، فدهش القضاة والسامعون من قوة عارضته وسرعة بديهته.
غير أن ذلك الذكاء لم ينقذ حافظا من السجن، فحكم عليه بالنزول فيه عامين كاملين، فرضخ راغما لأحكام القضاء وسيق إلى سجن الحضرة لقضاء تينك السنتين.
وما شعر بغيابة السجن، وما لحق به من الهون بعد ذلك الحكم حتى كتب إلي كتابا مطولا يندب فيه سوء حظه، وكأنه عز عليه أن يعترف بخطئه الذي أثبته القضاء، فقال: «وإنني - وحرمة الحق - بريء من كل ما عزي إلي من النصب أو التبديد، ولكن هي الظروف صورتني للقضاء مبددا محتالا.» «هو الحب أنزلني منزل الشقاء، وكم لهذا الحب من ضحايا!» •••
ولاح لي من كتبه العديدة التي أرسلها إلي من سجن الحضرة أن السجن لم يؤثر عليه كثيرا إلا في الأيام الأولى فقط، ثم تعود على سكناه بعد ذلك فأخذ يمرح فيه كأنه في قصر مشيد تحيط به الحدائق الغناء.
ومن نوادره في سجن الحضرة أنه كان يضع الخبز في إناء الماء الخاص به، حتى إذا اهترأ صنع منه جوزة أو شيشة وأهداها إلى المغرمين من ساكني السجن بشرب التنباك أو الحشيش.
ولا ريب في أنه لم يكن يقصد من عمل هذه الأركيلة إلا أن يظهر للمسجونين أنه على جانب عظيم من الدهاء حتى ينال شهرة ذائعة بينهم، وهذه الشهرة هي الضالة الوحيدة التي ينشدها في هذه الحياة مهما عرض له في سبيلها من المصائب والعثرات.
ومن نوادره أيضا حصوله على ورق أميري من أوراق السجن وإرساله الخطابات العديدة منه بطريق البريد، وتأليفه الرواية التي نشرها في كتاب نابغة المحتالين مع أن نظام السجن يمنع المسجونين من الكتابة على الإطلاق.
Bilinmeyen sayfa
ومن حكاياته وهو سجين أيضا أن أحد المسجونين شكا إليه سوء معاملة أحد موظفي السجن لامرأته التي تعودت على أن تزوره كل أسبوع، فسأله ما إذا كانت زوجته هذه حسناء، فأجابه: نعم. فقال له إن الانتقام سهل المنال إذا فعلت ما أشير به عليك. قال السجين: وما هو؟ فشرح له حافظ وسيلة الانتقام قائلا: نبه على زوجتك عندما تأتي لمقابلتك أن تحضر في الأسبوع المقبل وهي على أتم ما يكون من البهرجة والرواء، حتى إذا ما قابلها ذلك الموظف أظهرت له الميل، ثم ماست أمامه بقدها المعتدل حتى يقع في شرك هواها، وعند ذاك تتفق وإياه على أن يزورها في المنزل في ساعة معلومة من يوم محدود، وأن يحضر معه ما يلزم من المشروبات الروحية والمأكولات الشهية، وبعد ذلك تقدم بلاغا إلى مأمور القسم مؤداه أن موظف السجن المشار إليه راودها عن نفسها في كل مرة ذهبت فيها لمقابلة زوجها، فكانت تردعه بالتي هي أحسن فلم تفلح، وأخيرا أخذ يتردد على منزلها وهي تبعده عنها بكل الوسائل حتى غدت غير آمنة على حياتها وعرضها؛ ولذلك ترجو تعيين من يلزم من رجال البوليس لمراقبة المنزل وذلك العاشق الثقيل، حتى إذا ما جاء إليها مهددا ألقي القبض عليه وأرسل إلى المخفر للتحقيق معه ومحاكمته.
ولا أدري إذا كان ذلك السجين قد طاوعته نفسه على إنفاذ هذا الانتقام في ذلك الموظف، أم ردعه ضميره عنه.
وله عدة نوادر غريبة وحكايات عجيبة غير ما تقدم، ولكنها ضاعت من الذاكرة فأكتفي بهذا الآن.
بعد السجن
كيف جعل نفسه ابن أخي أفلاطون باشا
حافظ يحتال على يوناني في اليوم الأول لخروجه من السجن - اجتماعه بأبيه - اشتغاله بفن الكهرباء. ***
أرسل حافظ إلى أحد عارفيه في العاصمة كتابا قبل خروجه من سجنه ببضعة أيام سأله فيه أن يبعث إليه بريال واحد وبنطلون؛ ليتسنى له القدوم إلى القاهرة عند خروجه من السجن، فلم يخيب ذلك الرجل طلبه؛ لأنه وأكثر عارفي حافظ كانوا إلى ما قبل اشتهاره بالنصب والاحتيال يعتقدون أنه بعيد عن الدنايا والنصب، وأنه على سعة من العيش وذو عقارات تغنيه عن ارتكاب المحرمات؛ لأنه كان يدعي ذلك دائما، ولا يعلم الصحيح إلا الله.
خرج حافظ من السجن فارتدى بذلك البنطلون، ولا أدري من أين جاء بالجاكته والصديري والقميص والحذاء وغير ذلك؟ ثم ركب القطار حال خروجه عائدا إلى عاصمة القطر.
ولما وصل إلى العاصمة نزل في فندق البوستة الكائن بشارع وجه البركة أمام «رويال أوتيل»، ولعل سوء حظ صاحب هذا الفندق هو الذي بعث به إليه.
ولا ريب أن جيب حافظ كان أفرغ من جوف أم موسى؛ لأنه لم يستطع أن ينال مالا داخل السجن، ولعل ذلك لأن المسجونين ممنوع عليهم أن يدخلوا السجن ومعهم نقود؛ وإلا لما عجز عن الاحتيال على أحدهم، فلما نزل في فندق البوستة فكر في رجل ينصب له شركا، فلم يجد أقرب إليه من صاحب الفندق نفسه، فوضع له فخا سرعان ما وقع فيه.
Bilinmeyen sayfa
وبيان ذلك أن حافظا ادعى عندما دخل الفندق أنه ابن المرحوم نجيب باشا - ولا أدري إذا كان يوجد في مصر باشا بهذا الاسم - وأن عمه المرحوم أفلاطون باشا، وأن عمته مقيمة في سراية بشبرا وأنه وريثها الوحيد، فلما اعتقد صاحب الفندق ذلك أكرمه وبالغ في العناية به لا سيما وأن حافظا عندما حل في الفندق طلب أحسن غرفة فيه، فلم ترق له غير غرفة فيها سريران فاتخذها لنفسه راضيا عن دفع أجرة سريرين بدلا من سرير حبا في راحته؛ لأنه لم يتعود إلا على الترف والدلال.
ولما شعر صاحبنا حافظ «أن السمك قد أكل الطعم»؛ أي إن صاحب الفندق اغتر به، ناداه وقال له إنه لم يدخل الفندق إلا لأن عمته وهي شقيقة المرحوم أفلاطون باشا طريحة الفراش، وقد حضر من الإسكندرية لزيارتها خاصة، ولأخذ مبلغ كبير منها تعودت على أن تعطيه إليه سنويا في مثل هذا الشهر، فلما رآها مريضة لم يشأ أن ينام عندها واختار الإقامة في الفندق، ثم دعا صاحبه إلى مصاحبته لزيارة عمته المشار إليها، فلبى الرجل دعوته عن رضى وارتياح.
وللحال أمر حافظ أحد الخادمين أن يحضر عربة تكون عجلاتها من ذات المطاط (كاوتشو)، وركبها وصاحب الفندق قاصدا إلى شبرا .
وفي ذلك الشارع الكبير المزدان بالقصور العظيمة التي يسكنها عدد من عظماء مصر، أوقف العربة أمام باب قصر منها ودخل بالرجل اليوناني إليه.
فلما وصلا إلى المندرة حيث يستقبل الضيوف جلس وإياه برهة شربا في خلالها القهوة.
وقد سأل حافظ الخادم أمام صاحب الفندق عما إذا كانت عمته لا تزال مريضة، فأجابه بالإيجاب، فقال لصاحب الفندق لا سبيل لنا إذن لمقابلتها اليوم، فلنعد إليها غدا أو بعد، حيث تكون قد نالت الشفاء أو تماثلت إليه.
ولما ركبا العربة دارت بينه وبين صاحب الفندق المحاورة الآتية:
حافظ :
أرجوك أن تعطيني الآن جنيها لأدفع للحوذي أجرته؛ لأن النقود التي جئت بها قد أنفقتها اعتمادا على ما سآخذه من عمتي.
الرومي :
Bilinmeyen sayfa
أمرك يا بك (وللحال أخرج من جيبه جنيها وأعطاه إلى حافظ بكل احترام).
حافظ :
إني سأرده إليك غدا إذا تمكنت من الاجتماع بعمتي، وإلا فلا مناص لي من أن أقترض منك مبلغا من المال إلى أن يمن الله عليها بالشفاء العاجل.
الرومي :
يجب أن تتأكد يا سعادة البك أنني دائما طوع أمرك. (ولعله قال ذلك عن طمع منه بالربا الذي يتقاضاه اليونانيون من أبناء الذوات، ولكن ما كل ذي ورم بذي سمن.)
وفي اليوم الثاني خرج حافظ من الفندق وأمضى النهار متنزها هنا وهناك، وعندما خيم الغسق عاد إليه وقال لصاحبه إن عمته لم تزل مريضة، وإنه ليس في وسعه الحصول على النقود إلا بعد أسبوع من الزمان، ولذلك هو يرجوه أن يقرضه خمسين أو ستين جنيها، فأثر بكلامه على الرجل؛ لأنه أحضر إليه المبلغ في الحال، فكتب له حافظ به كمبيالة يدفعها إليه عند الطلب.
وفي اليوم التالي شاهدته في الطريق فحياني وشكرني على ما نشرته له من المقالات والقصائد التي بعث بها إلي من سجن الحضرة، فقلت له أن لا موجب لهذا الشكر؛ لأنني أعتقد أن ما أتاه هفوة منه لا يبعد عليه أن يصلحها وهو لم يزل في سن الشباب، فأخذ يقسم لي بأغلظ الأيمان أن كل ما روته الجرائد عنه محض اختلاق، وأن مسألة سجنه سر من الأسرار، فلم أطل معه الكلام في هذا الصدد، بل سألته ما إذا كان زار أباه وإخوته، فقال: لا، وما ذلك إلا لأني خجل من مقابلة أبي، فقلت له: أنا الكفيل لك برضاه إذا وافقتني وذهبت معي لزيارته، فرضي.
وعند ذاك ركبنا عربة وقفت بنا عند منزل أبيه، وهو حضرة الفاضل أحمد أفندي نجيب في جزيرة بدران في شبرا، فلما اجتمع الوالد بالولد أظهر الأب لابنه استياءه الشديد مما حصل له، ووبخه توبيخا صارما، فقال له حافظ: «كم في الحبس من مظاليم!» ومع ذلك فالمثل يقول: ما فات مات، فانظر لما هو آت.
وبعد حديث غير طويل صفح أبوه عنه، واتفق وإياه على أن يدير حركة المحل الذي افتتحه حديثا إذ ذاك لتركيب المصابيح والأجراس الكهربائية بأول شارع الدواوين تحت عنوان - شركة الكهربائية الحقيقية - فوعد حافظ أن يستلم زمام العمل من غد، ثم خرج مع أبيه حيث تنزها في المساء معا.
وهنا لا بأس من إيراد كلمة موجزة عن الفاضل أحمد أفندي نجيب؛ ليرى القراء الكرام أن الصالح ينبت الطالح في بعض الأحايين، كما ينبت النرجس من البصل أحيانا.
Bilinmeyen sayfa
عرفت أحمد أفندي نجيب، وهو مأمور لمركز المنصورة منذ ثماني سنوات تقريبا في اليوم الذي حدثت له تلك الحادثة المشهورة مع بعض وكلاء الصحف، فرأيت الرجل مثال الأمانة والاستقامة، اشتهر بين الناس أجمعين بالتقى والعبادة والنزاهة، حتى إنه أفرط في المحافظة على روح القانون إفراطا غريبا، فلم يكن يفرق بين شخص وآخر؛ إذ كل الناس لديه سواء.
وهو ذو همة علياء؛ فقد طارد كبار اللصوص في الفيوم مطاردة ألقت الرعب في قلوبهم، وشهد له المستشار السابق وجميع كبار نظارة الداخلية بالإقدام الغريب والنزاهة التامة.
ومما يروى عنه أنه ضبط قاتلا فحكم عليه بالإعدام، ولكنه مع ثقته بعدل القضاء كان يخشى كثيرا أن يكون رجلا مظلوما، فاتفق مع حارسيه في سجنه على أن يسألوه عند منتصف الليل تماما من يوم معلوم عما حمله على إنكار الجريمة، حيث يكون هو واقفا بالباب مصغيا لما يجيب به فصدعوا بأمره، وعندما سألوا القاتل ذلك السؤال أجابهم: «وهل يجوز الاعتراف في مثل هذه الأحوال؟»
فعند ذاك استراح ضميره الحي، وأيقن أن الرجل قاتل أثيم يستحق القتل، ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب.
وهو الآن مأمور الأوقاف في الفيوم، وشهرته ذائعة بالاستقامة والفضل، فما قول القارئ الكريم في هذا التباين العجيب بين الوالد والولد. •••
عرف القارئ أن حافظا استلم إدارة محل الكهرباء لمساعدة أبيه، فمضت أيام لم أره فيها، ولكني علمت أن صاحب فندق البوستة يفتش عليه؛ لأنه علم بأن حافظا ليس ابن أخي أفلاطون باشا كما ادعى «صح النوم»، وأنه احتال عليه.
وقد صادف أني شاهدت الرجل بنفسي وسألته جلية الخبر فقصه علي مفصلا، ثم سألني إذا كنت أشتري مبلغ الستين جنيها التي له على حافظ بخمسة جنيهات، ويحول لي الكمبيالة، فأبيت طبعا.
ثم لم تمر أيام قليلة حتى هجر حافظ محل أبيه، ولا حاجة بي إلى ذكر السبب؛ لأنه لا يجوز للكاتب أن يدخل بين الوالد والولد.
وهكذا ذهب أمل أبيه سدى كما ذهبت أموال وأحلام صاحب فندق البوستة أدراج الرياح.
نابغة المحتالين
Bilinmeyen sayfa
يحتال على الأغنياء الجاهلين
من طريق الرتب والنياشين
حافظ يمثل مندوبا عثمانيا ساميا - وقوع غني من أهل الريف في شراكه - إنعامه عليه برتبة الميرميران - إنعامه على ريفي آخر بالتبة الثانية. ***
ضاقت سبل العيش في وجه حافظ بعد خروجه من السجن؛ لأنه كان كلما طرق بابا للعمل سد في وجهه؛ إذ غدا الناس يخشونه بعد ما ذاع عنه وشاع في حادث احتياله على حضرة الكاتبة الفاضلة صاحبة مجلة «أنيس الجليس» الغراء.
عند ذاك لم يجد بدا من العمل بقول الشاعر:
وإذا حالك ساءت
فليكن عندك حيلة
ومن البديهي أن أرباب البطالة الذين لا عمل لهم إلا الاحتيال على الناس تجمع بينهم وحدة الحال، ولهذا ما عتم حافظ أن تعرف على بضعة منهم فانضموا تحت لوائه بلا تعب ولا عناء.
ولما غدا حافظ مثل «أرسين لوبين» نابغة المحتالين الفرنسويين، ذا عزوة ورجال يشدون أزره ويأتمرون بأمره ويسيرون طبق رغباته، أخذ في تدبير المكايد التي يصيد بها الأغنياء الجاهلين، ولقد فشا في تلك الأيام مرض عضال هو مرض الرتب والنياشين الذي أصيب به عدد جم من سراة مصر المعروفين بكل أسف عند السواد الأعظم بالوجاهة والنبل والمجد والفضل، فرأى حافظ أن يغتنم الفرصة - واللبيب من انتهزها - لإيقاع بعض المصابين بداء «السعادة والعزة» في فخاخه التي لا يحصى لها عدد.
ولما صحت عزيمته على ذلك جمع أفراد عصابته في قهوة بشارع جامع البنات أمام محل عياش وطنبة، وهي قهوة تعود التخلف إليها منذ أربعة عشر عاما على ما علمت من صاحبها.
Bilinmeyen sayfa
جمع رجاله وجلس بينهم جلوس الزعيم، ثم أخذ يكلمهم بلهجة الخطباء المبدعين قائلا ما معناه:
أيها الإخوان
إنكم تعلمون - ولا ريب - أن صروف الأيام ونوائب الحدثان أنزلتنا منازل الفقر والهوان، وتركتنا بلا مال نقضي به الأغراض، أو منصب يدفع عنا شر العوز والشقاء.
غير أن الرجل الذكي القدير يهزأ بالزمن إذا عبس في وجهه ويتغلب على الأيام وإن قلبت له ظهر المجن؛ لأن العقل الرجيح يعرف كيف ينتقم من القضاء بالضحك على صغار العقول والأحلام.
وإننا، ونحن على ما تعلمون من الحاجة إلى المال، لا نجد بدا من ركوب المركب الخشن، ولو كان أسنة وسهاما، حتى لا نعيش كالحيوانات الساقطة تحت إمرة سوانا، وعرضة لكل مذلة وهوان.
ولقد خدمتني الصدف اليوم خدمة جلى؛ إذ مكنتني عندما كنت في «أوبرا بار» هذا الصباح من معرفة غني كبير من أغنياء الصعيد جاء إلى العاصمة ليشتري له رتبة الميرميران حتى يلقب في بلدته وبين عشيرته بسعادتلو أفندم.
ولقد لاح لي من حديث الرجل أنه على غاية ما يكون من الجهل، وأن الذين التفوا حوله ليس في وسعهم أن يخففوا عنه ثقل جيبه.
لهذا رأيت أن أعهد إلى أحدكم التحكك به بعد أن أدله عليه، حتى إذا ما تمكن من محادثته أخبره بأنه مطلع على ما يطلب، عارف بأنه إنما جاء إلى مصر ليكون باشا، ثم يوهمه بعد ذلك أن جلالة السلطان عبد الحميد قد أوفد إلى مصر مندوبا ساميا يحمل عدة رتب من الميرميران وسواها، وأنه في وسعه أن يحصل له على واحدة منها، فأمن الجميع على كلامه كما كان يؤمن رجال روكامبول على كل ما كان يشير به.
وللحال تفرق أفراد العصابة بعد أن وضع حافظ لكل منهم خطة عمله، ولم يبق معه إلا الذي اصطفاه من بينهم للتغرير بذلك الوجيه المغفل.
وفي اليوم الثاني أخذه إلى «أوبرا بار»؛ لأن ذلك الغني تعود على التردد إليه كل صباح، فلما وصل أشار إليه حافظ، حتى إذا ما وثق من أن تلميذه قد عرفه غادر البار ومن فيه. •••
Bilinmeyen sayfa
جلس تلميذ حافظ إلى طاولة مجاورة للطاولة التي جلس عندها الغني المشار إليه، وأخذ يترقب فرصة لمحادثته، حتى إذا ما تركه الذين كانوا معه شاهد على الطاولة جريدة تركها أحدهم، فتقدم منه وقال له: أتأذن لي سعادتك بقراءة هذه الجريدة؟ فأجابه الغني: تفضل يا بك.
وبعد هنيهة دارت بين الاثنين المحادثة الآتية، وقد رأيت أن أرمز إلى تلميذ حافظ ورسوله بحرف «ت»، وإلى الغني بحرف «غ» دفعا لتكرار الأسماء.
غ :
قل لي رأيت إيه في الغازيتة؟ (ويعني بها الجريدة طبعا.)
ت :
لم أجد فيها شيئا؛ لأنني بحثت بين أخبارها عن المحل الذي اختاره دولة المندوب العثماني الأسمى الذي قدم إلينا من أيام، فلم أوفق إلى ذلك.
غ :
مندوب عثماني يعني إيه؟ مش هو مختار باشا اللي بقى له هنا سنين وأعوام؟
ت :
لا لا. سعادتك غلطان. إن المندوب السامي الذي أشير إليه هو غير مختار باشا؛ لأنه لم يحضر إلى بلادنا إلا منذ ثلاثة أيام فقط لمسائل مهمة ندبه جلالة مولانا السلطان لقضائها في مصر.
Bilinmeyen sayfa
غ :
يعني يمكنك تقول لي الشغلانات المهمة دي إيه؟ سلامات، أيوه سلامات، الحمد لله على السلامة، ما تتفضل تقعد هنا حداي.
ت :
تشرفنا يا سعادة، (وسرعان «ما التصق بسعادة المغفل»، ثم مال عليه كمن يريد أن يودعه سرا هائلا، وقال له):
هل إذا بحت لك بالمهمة التي جاء ذلك المندوب السامي لقضائها، تعدني بكتمانها عن كل إنسان؟
غ :
أيوه، وعلي الحرام بالثلاثة.
ت :
حسنا، فاسمع وع جيدا ما أقول: لقد بلغ جلالة مولانا السلطان عبد الحميد خان خاقان البحرين وسلطان البرين أن المصريين من أشد الناس إخلاصا للدولة العلية والخلافة العثمانية، وأن كثيرين منهم قد تبرعوا لسكة حديد الحجاز بمبالغ طائلة دلت على ما في قلوبهم من الغيرة الشديدة على الدين الحنيف.
لهذا رأت جلالته أن ترسل ذلك المندوب السامي المعظم لتسليم من يستحق من أغنياء المصريين براءات الرتب والنياشين التي جاء بها ليعلموا هم أيضا أن جلالة السلطان عارف بإخلاصهم، وقادر على مكافأتهم.
Bilinmeyen sayfa
غ :
وكيف يكون الحصول على رتبة الباشوية؟
ت :
تريد أن تقول رتبة الميرميران التي تعطي حاملها لقب باشا مع سعادتلو أفندم حضرتلري؟
غ :
أيوه، سباعتلو أفندم، أهي دي يا بوي.
ت :
للوصول إلى نيل هذه الرتبة الرفيعة الشأن طريقان؛ أولهما أن يتبرع الإنسان بمبلغ عظيم من المال لمشروع سكة حديد الحجاز، والثاني أن يشهد قوم من الذين يثق بهم دولة المندوب الأعظم أن فلانا هذا الطالب الإنعام عليه، من الأغنياء المحسنين الذين يتعهدون بالتبرع لمشروع سكة حديد الحجاز بطائل الأموال.
غ :
سلامات. تفضل سجارة، أجيب لك إيه؟ اشرب حاجة بنص فرنك!
Bilinmeyen sayfa
ت :
مرسي يا بك لقد شربت الآن قهوة، ما قولك بمن يسعى لسعادتك لدى هذا المندوب الأعظم برتبة الباشوية؟
غ :
يبقى جدع وأشوف كيفه.
ت :
وبالطبع يجب أن تقدم لدولة المندوب حال الإنعام عليك مبلغا يذكر تبرعا منك للسكة الحجازية.
غ :
هي دي فيها كلام.
ت :
إذن فأنا أرجو سعادتك أن تسمح لي الآن بالانصراف حتى أقف على المحل الذي نزل فيه ذلك المندوب الأسمى ثم أعود إليك في الساعة الرابعة من بعد الظهر تماما.
Bilinmeyen sayfa
وإنني لأرجوك ألا تبوح بكلمة واحدة مما قلته الآن لك لأحد ما، ولو كان ابنك أو أباك، وإلا فسد الأمر، خصوصا وأنك قد حلفت بالحرام.
غ :
ما يكون لك فكر، مع السلامة، أنا بانتظار حضرتك. (ثم صافحا بعضهما، وابتعد تلميذ حافظ مسرعا إليه.)
اجتمع نابغة المحتالين برسوله، فأوقفه هذا الأخير على كل ما جرى بينه وبين ذلك الغني من الحديث، فسر حافظ من نباهته كثيرا وأثنى على ذكائه ثناء جميلا، ثم أخذه وذهب به إلى فندق شبرد المعروف، واستأجر هناك ثلاث غرف محاذية لبعضها بعضا، وأوقف تلميذه على ما يجب أن يفعله بعد أن أوصاه بالانتباه والحذر.
ومن ثم قصد إلى أعوانه وأمرهم بالحضور إليه في الفندق عند الساعة الثالثة تماما ليكونوا على استعداد لمقابلة ذلك الوجيه الريفي.
أما هو فذهب إلى أحد باعة الملابس حيث اشترى «بدلة» سوداء عثمانية، ثم قصد إلى أحد حلاقي الأوبرا الخديوية فاشترى منه لحية وشاربا مستعارين، حتى إذا ما وضعهما ظهر لناظره أنه من عظماء الأتراك.
فعل ذلك كله وحضر إلى الفندق قبيل الساعة الثالثة، وللحال قدم تلاميذه فلما شاهدوه بالبدلة السوداء واللحية والشارب المستعارين أنكروه، فضحك كثيرا وسر من إحكام تنكره أكثر.
وعند الساعة الرابعة وبضع دقائق وصل تلميذه الأكبر يقود «ضحيته» إلى فندق شبرد، فاستأذن الذين على الباب بمقابلة دولة المندوب الأعظم، فأذنوا له بالدخول عليه.
وعند ذلك خلع الغني الريفي بلغته قبل أن يدخل جريا على العادة المتبعة عندهم، ثم دخل فخر حتى قدميه ولثم يد دولة المندوب العظيم الشأن، وجرت بعد هذا المحاورة الآتية، وقد رأيت أن أرمز إلى حافظ بحرف الحاء، مع بقاء «الغين» للغني و«التاء» لتلميذ نابغة المحتالين، فقال هذا الأخير بعد تبادل أقوال التحيات والتهنئة بسلامة القدوم:
ت :
Bilinmeyen sayfa
إن الذي نريد عرضه على مسامع دولتكم هو أن هذا الوجيه من أكبر أغنياء الوجه القبلي ومن المشهورين بالأعمال الخيرية والمبرات المشكورة.
ح :
شيء جميل.
ت :
ومن أهم ما عرف فيه إخلاصه الشديد لجلالة مولانا السلطان الأعظم، وغيرته العظمى على الدولة ومشروعاتها، ولا سيما مشروع السكة الحديدية الحجازية.
ولهذا ما علم بوجود دولتكم في هذه الديار، حتى أسرع لتقديم واجب التهنئة والإخلاص، وعرض عبوديته لمولانا السلطان الأعظم على يد دولتكم.
غ :
أيوه، الأفندي بيقول الحق، ربنا يطول عمر مولانا السلطان. سلامات.
ت :
ونظرا لعلمي بالمأمورية التي ندبكم جلالة السلطان لقضائها في مصر، أعرض على دولتكم بأن هذا الوجيه من الذين يستحقون التشرف بالرتب العالية والوسامات السامية؛ نظرا لإخلاصه وصدق عبوديته.
Bilinmeyen sayfa
ح :
حسنا. (ثم التفت إلى الوجيه الريفي وقال): أنت تعلم أن رتبة ميرميران عالية تشرف حاملها وتمنحه لقب باشا، فإذا ما سلمتك براءة واحدة منها وجب عليك أن تكون مثال الاستقامة والشرف والصدق بين الناس.
غ :
أنا كده برضه.
ح :
وعليه، فأنا أقلدك من الآن سيف الباشوية العظيمة الشأن. (ثم وقف وتناول سيفا كان موضوعا إلى جانبه، وهو من سيوف مراسح التمثيل المزركشة بالحجارة العاطلة التي تصنع من الزجاج ليكون ذا رونق وهاج، وبعد أن لثمه منطقه به وقال):
أهنئ سعادتكم برتبة الباشوية العظيمة الشأن (فتبسم الرجل من صميم فؤاده، وكاد أن يغشى عليه من شدة الطرب، حتى لجم السرور لسانه وأجرى دمعة من عينه فلم يسعه غير تقبيل يد دولة المندوب، ثم أشار دولته إليهما بالخروج، فخرجا بعد أن لثما أنامله الشريفة). (ولما وصلا إلى القاعة الثانية قال له: ما رأيك الآن؟ وأين هو المبلغ الذي ستتبرع به لسكة الحجاز حتى يعطيك دولة المندوب البراءة؟ فأخرج الباشا الجديد من جيبه كيسا من القماش داخله خمسمائة جنيه، وقال: هذا مبلغ كذا أتشرف بتقديمه لدولة المندوب. فأشار عليه تلميذ حافظ أن يعطيه إليه بيده، فأدخله عليه ثانيا، وتقدم «الباشا» ولثم يد المندوب ثانية، وقال له: أتشرف يا دولة الباشا أن أقدم لكم خمسمائة جنيه لسكة الحجاز.)
ح :
بورك في همتك يا باشا. وقد كنت أود أن أعطيك البراءة الآن ولكنها موجودة داخل صندوق لم أفتحه بعد، فلهذا أرى من الأوفق أن تترك سيف الباشاوية هنا، ثم تحضر غدا في مثل هذه الساعة لأخذه والبراءة معا، وإني أهنئك سلفا. (فأطاع الغني الأمر وأرجع السيف وكأن روحه خرجت عند ذلك، ثم ودع وعاد مع تلميذ حافظ من حيث أتيا على أن يعودا معا غدا إلى فندق شبرد لاستلام البراءة والسيف.) (وفي غد انتظر الغني المغفل عودة تلميذ نابغة المحتالين، فكان حظه حظ الذين انتظروا القارظ العنزي من قبل.) (ولما طال أمد الانتظار عليه، ذهب بنفسه إلى فندق شبرد وسأل عن دولة المندوب السامي فلم يجد من خدمة الفندق إلا السخرية والاستهزاء، فعجب للأمر كثيرا وكان ندمه شديدا عندما علم أن الأمر حيلة جازت عليه.)
ومما يذكر من نوادر حافظ عن الرتب والنياشين أن أحد أغنياء الريف شكا إليه سوء حظه في الرتب، وأنه سعى كثيرا للحصول على الرتبة الثانية فلم ينجح، فبعد أن أطرق حافظ قليلا قال له: إن الغرض الذي ترمي إليه من الرتبة أن تلقب بعزتلو بك؟ أجاب: نعم. فقال حافظ: إذن لا تهمك تلك الورقة التي تدعى بالبراءة؟ أجاب: نعم، لا تهمني مطلقا لأنها ليست وساما يزين صدر الإنسان.
Bilinmeyen sayfa