ولهذه الحكمة عبر أرباب الصنعة بالرفع والنصب والجزم والخفض عن
حركات الإعراب، إذ الإعراب لا يكون إلا بعامل وسبب، كما أن هذه الصفات التي تضاف إلى الصوت من رفع ونصب وخفض إنما يكون بسبب وهو تحرك العضو فاقتضت الحكمة اللطيفة والصنعة البديعة أن يعبر بما يكون عن سبب عما يكون لسبب وهو الإعراب، وأن يعبر بالفتح والضم والكسر والسكون عن أحوال البناء، فإن البناء لا يكون بسبب، أعني بالسبب العامل.
فاقتضت الحكمة أن يعبر عن تلك الأحوال بما يكون وجوده بغير آلة، إذ
الحركات الموجودة في العضو لا تكون بآلة، كما تكون الصفات المضافة إلى
الصوت.
فمن تأمل هذه الحكمة من أرباب الصناعة، رأى من بعد غورهم، ودقة
أذهانهم، ورجاحة أحلامهم، وثقابة أفهامهم، ما يستدل به على أنهم مؤيدون بالحكمة في جميع أغراضهم وكلامهم.
ولعلنا أن نعطف عنان الكلام بعد هذا إلى الخفض وتسميتهم إياه جرًّا.
والتكلم على صورته في الخط، إلى غير ذلك مما يليق ذكره بذلك المقام، والله المستعان.
* * *
مسألة
(في بعض علامات الأسماء)
قوله: " تنفرد الأسماء بالخفض والتنوين ".
قال بعضهم في حد التنوين: التنوين نون ساكنة تلحق أواخر الأسماء
المتمكنة.
وتصحيح هذه العبارة عندي أن يقال: " التنوبن: إلحاق الاسم نونًا ساكنة!، لأن التنوين مصدر " نونت الحرف "، أي: ألحقته نونًا، كما أن التنعيل مصدر
1 / 68