الآنسة سماء، يسعدني قبولك صداقتي، ومع أنني لم أرك سوى مرتين فإنني رأيت روحك منثورة على صفحتك، وقرأتك في منشوراتك الجميلة، كل المودة لك. سليمان.
وتراءت لي ابتسامته المزينة بغمازتين جميلتين وهو ينظر إلي، أعدت قراءة الكلمات مرات كثيرة ، والغرور يملأ ساحاتي، وينفث في بسحره.
بماذا أجيبه؟ كتبت مرات ومرات، وكنت أمحو كل مرة. فكرت ألا أجيب، لكنه سيكون تصرفا غير لائق، خاصة أنه ظهر متصلا في هذه اللحظة. إنه يجلس الآن أمام الشاشة ينتظر ردي، وطالما ابتدأ هو حوارا فليس أمامي إلا أن أكمله، أليس كذلك؟ لكن علي أن أتقمص جيدا الغرور الذي ملأ به رأسي. كتبت أخيرا: «أشكرك أستاذ» وأضفت الكلمة الأخيرة عمدا، وضغطت
enter
ووصلت الرسالة. انتظرت، وانتظرت ولم يرسل شيئا، ثم خرج، يا للخيبة! طيب، هذا أفضل. عدت إلى صفحة رندة لكنها لم تقرأ بعد رسالتي. كانت بطارية جهازي الكمبيوتر توشك على النفاد، كتبت على صفحتي:
كثير من الأحداث توحد الشعور الجمعي لدى الناس، أعقدها وأبسطها، ومنها مثلا عودة التيار الكهربائي والماء معا في الثانية فجرا!
وقبيل أن تنفد البطارية فتحت بريدي الإلكتروني وإذا برسالة تصلني من شادي، وهذه المرة أيضا لي وحدي، ومجددا لوحة بخط الثلث كتب فيها «اقرأ باسم ربك الذي خلق.» وبينما كنت أتأملها أعطاني الجهاز تنبيها بقرب نفاد البطارية. ارتبكت وقررت على الفور إرسال رد له كتبت فيه: «لوحة رائعة! هل من مزيد؟» وأغلقت الجهاز، هل كان ما أرسلته صائبا؟
5
كنت متحمسة للقاء جدو نور ذلك المساء فقد مضى أكثر من شهر على آخر زيارة له. حرصت على أن أحضر جهازي الكمبيوتر لأشحنه عنده؛ فقد ركب مؤخرا مولدة كهربائية يستعين بها في أيام انقطاع الكهرباء الطويلة. وبصعوبة بالغة قاومت رغبتي في الحديث عن رندة وعن اكتشافي لصفحتها على الفيسبوك؛ فلم يستو بعد السيناريو الذي كنت أطبخه في رأسي. جلست أحدثه عن رواية كنت قد حملتها من الإنترنت «كالماء للشوكولاته» للاورا اسكيبيل، قرأت عليه بعض النصوص المقتبسة منها، وبينما نحن نتحاور إذا بي أشعر بدوار خفيف، أو ربما رعشة قصيرة، وخلال ثانية أو أقل شعرت بضغط كبير على رأسي. وفي اللحظة التالية سمعنا دويا رهيبا راح يتردد في أذني كصرخة موت، صاحت فاطمة والتصقت بي، عانقتها وخبأت رأسي بين يدي بطريقة آلية. لم أدر كيف حدث ما حدث بعد ذلك بسرعة كحلم، سمعنا أصواتا مختلفة في الشدة متقاربة في السرعة. سحبنا جدو من يدينا، أو ربما حملنا لست أدري، وجدت نفسي في قبو البيت وأصوات طلق ناري تسكت ولا تلبث أن تعود. كانت الدموع تنهمر من عيني من غير أن أبكي. لست أذكر إلا أنني كنت أعصر فاطمة بين يدي، وجدو واقف قبالتنا يتمتم بالقرآن أو الدعاء، دخل بعد قليل بعض الجيران، وجلسنا. وما إن هدأت الأصوات حتى التفت إلي جدو وناولني جهازي الجوال الذي لست أدري كيف وصل إلى يده، وطلب مني أن أطمئن أهلي عنا وأطمئن عليهم، وكذلك فعلت.
بقينا هناك زمنا حتى أظلم المكان، وانطفأ ضوء النهار. ومثلما يقوم شخص مدرب جيدا حال الأزمات، قام جدو بإخراج شمعات وكبريت وفوانيس زيتية صغيرة من خزانة كانت هناك، أضاء بها الغرفة، ومن مكان ما أخرج زجاجات من الماء والعصير وزعها على الجميع، يبدو أنه كان مستعدا لظروف كهذه جيدا.
Bilinmeyen sayfa