عبادة لكنه متعين له تعالى لا يمكن أن يصرف لغيره لأنه صار كاللفظ النصي لا يحتاج إلى نية لانصرافه بصراحته إلى مدلوله وذلك كالنية وسائر أفعال القلب من الإيمان بالله تعالى وتعظيمه والخوف منه ورجائه والتوكل على كرمه والمحبة له وكذلك قراءة القرءان وسائر الأذكار لين الإنسان يثاب على نيته حسنة واحدة وعلى فعله عشرًا إذا نوى، لأن الأفعال مقاصد والنيات وسائل والوسيلة اخفض رتبة من المقصود. وذكر بالجر والعاطف محذوف وعدم وجوب النية في هذا القسم المتعين له تعالى محله حيث لم تكن له أنواع وإلا وجبت. قوله: (وأوجبنها -البيت -) يعني: أن النية واجبة في غير ما ذكر وهو ما كان من الأوامر محض عبادة فيها لبس لترددها بالنظر بين عبادته تعالى وبين غيرها تجب فيما تمحض للعبادة ليتميز ما لله من العبادة عما ليس له من العبادات.
ولتمييز مراتب العبادات فيما له مراتب فالأول كالغسل يقع عبادة ويقع للتبرك والتنظيف بالتمييز يصلح الفعل للتعظيم والثاني كالصلاة تنقسم إلى نفل وفرض كفائي وعيني ومنذور وغيره وأدائي وقضائي فتجب فيها اتفاقًا وعلى المشهور فيما فيه شائبة العبادة وشائبة غيرها. قال ابن الحاجب: والمذهب افتقارها للنية ترجيحًا للعبادة وذلك كالطهارة لا الترابية فإنها محض تعبد والزكاة بالزاي والذال المعجمة فمن رأي أنه تعالى أوجب مجانبة الحدث والخبث في الصلاة كانت من المأمورات التي لا تكفي صورتها في تحصيل منفعتها فتجب فيها النية ومن رأي أنه تعالى حرم ملابستها فيها كانت من المنهيات فلا تجب فيها النية. والذكاة دائرة بين أصل الحل في الأكل وبين سبب التقرب إلى الله تعالى بالضحايا والهدايا وبين سبب براءة الذمة من الهدي أو فدية أو نذر حتى ينوي أحدهما فيرتب عليه الشرع حكمه ليعين سببه ودفع الزكاة للمساكين دائر بين سبب أصل التقرب إلى الله تعالى الذي هو صدقة التطوع وبين سبب براءة الذمة من الزكاة الواجبة. وعند تعارض الشائبيتين لا فرق في وجوب النية بين أن يغلب أحداهما أو يتساويا كما هو المذهب عند ابن الحاجب. وفي المنهج المنتخب تفصيل مخالف لذلك.
ومثله الترك لما يحرم ... من غير قصد ذا نعم مسلم
1 / 37