İnsan Haklarının Ortaya Çıkışı: Tarihi Bir Bakış
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Türler
القومية تتقدم
تبين على المدى الطويل أن الانتصار الذي حققه النظام القانوني عابر سريع الزوال، ويعود الفضل في ذلك بدرجة كبيرة إلى التطورات التي أحدثها خصمه الرهيب نابليون. على مدار القرن التاسع عشر ، هيمنت القومية على طرفي المناقشات الثورية، فغيرت مسار مناقشات الحقوق، وخلقت أنواعا جديدة من التسلسلات الهرمية التي هددت في نهاية المطاف النظام القانوني التقليدي. حفزت المغامرات الاستعمارية للطاغية المغرور المنحدر من جزيرة كورسيكا قوى القومية من وراسو إلى ليما عن غير قصد؛ فأينما ذهب أنشأ كيانات جديدة (مثل دوقية وارسو، والمملكة الإيطالية، واتحاد الراين)، أو خلق فرصا جديدة، أو أثار عداءات جديدة تصاعدت حتى تحولت إلى طموحات قومية. فقد ذكرت دوقية وارسو البولنديين أنه في يوم من الأيام كانت هناك دولة اسمها بولندا قبل أن تستولي عليها بروسيا، والنمسا، وروسيا. ومع أن حكومتي ألمانيا وإيطاليا الجديدتين قد اختفتا بعد سقوط نابليون، فقد أظهرتا أن التوحيد القومي أمر ممكن. وبخلع ملك إسبانيا، فتح الإمبراطور الفرنسي الباب أمام حركات الاستقلال في أمريكا الجنوبية في العقدين الثاني والثالث من القرن التاسع عشر. وقد تحدث سيمون بوليفار، محرر بوليفيا، وبنما، وكولومبيا، والإكوادور، وبيرو، وفنزويلا، بنفس لغة القومية الناشئة التي تحدث بها أقرانه في أوروبا. قال بوليفار بحماسة: «إن ترابنا الوطني يثير فينا مشاعر رقيقة وذكريات مبهجة ... فهل من ادعاءات بالحب والإخلاص أعظم من هذه؟» وقدمت مشاعر القومية تلك القوة العاطفية المفقودة في «قصاصات ورق حقوق الإنسان الحقيرة الغامضة» التي ازدراها بيرك.
8
كرد فعل للإمبريالية الفرنسية، رفض بعض الكتاب الألمان كل ما هو فرنسي - بما في ذلك حقوق الإنسان - وخلقوا إحساسا جديدا بالوطن يعتمد بكل وضوح على العرق. ولما كان الألمان المنادون بالقومية يفتقرون إلى هيكل دولة قومية موحدة، ركزوا بدلا من ذلك على خاصية الشعب العضوي، وهي سمة داخلية مميزة للشعب الألماني تميزه عن سائر الشعوب. ويمكن بالفعل رؤية الدلائل الأولى على الاضطرابات المستقبلية في آراء فريدريك جان الألماني المناصر للقومية التي أعرب عنها في مطلع القرن التاسع عشر. كتب جان: «كلما كان الشعب أنقى، كان هذا أفضل.» وأكد على أن قوانين الطبيعة تحول دون اختلاط الأجناس والشعوب، ومن وجهة نظر جان، فإن «الحقوق المقدسة» هي تلك الحقوق التي تخص الشعب الألماني دون سواه ، وكان ناقما بشدة على التأثير الفرنسي، حتى إنه حث إخوانه الألمان على الامتناع عن التحدث بالفرنسية تماما. وعلى غرار كافة المناصرين للقومية الذين جاءوا من بعده، حثهم على كتابة التاريخ الوطني ودراسته؛ فينبغي أن تركز كافة النصب التذكارية، والجنازات العامة، والمهرجانات الشعبية على الطابع الألماني وليس على أي مثل عالمية. وفي نفس اللحظة التي كان يخوض فيها الأوروبيون ذروة معاركهم في مواجهة طموحات نابليون الاستعمارية، اقترح جان توسيع حدود ألمانيا الجديدة بقدر مدهش، وشدد على أن هذه الحدود ينبغي أن تشمل سويسرا، والبلدان المنخفضة، والدنمارك، وبروسيا، والنمسا، كما ينبغي أن تبنى عاصمة جديدة لها ويطلق عليها اسم تيوتونا.
9
وعلى غرار جان، آثر معظم أنصار القومية الأوائل الشكل الديموقراطي للحكومة؛ لأنه من شأنه أن يعظم الإحساس بالانتماء الوطني إلى أقصى حد. ونتيجة لذلك، عارض التقليديون القومية والاتحاد الألماني أو الإيطالي في بداية الأمر بقدر ما عارضوا حقوق الإنسان. وكان أنصار القومية الأوائل يتحدثون باللغة الثورية للعالمية المسيحية، لكن من وجهة نظرهم كان الوطن، وليست الحقوق، هو نقطة الانطلاق إلى العالمية الشاملة. آمن بوليفار أن كولومبيا سوف تنير الطريق إلى الحرية والعدالة العالميتين. وصرح ماتزيني، مؤسس «جمعية يانج إيتالي» القومية، بأن الإيطاليين سوف يقودون حملة عالمية للشعوب المضطهدة من أجل الحرية. ورأى الشاعر آدم ميسكفيتش أن البولنديين سوف يقودون الطريق نحو الحرية العالمية. باتت حقوق الإنسان في ذلك الحين تعتمد على تقرير المصير القومي، وكانت الأولوية بالضرورة لتقرير المصير القومي.
بعد عام 1848، شرع التقليديون في استيعاب مطالب أنصار القومية، وانتقلت الحركة القومية من يسار إلى يمين الطيف السياسي. ومهد إخفاق الثورات القومية والدستورية في ألمانيا، وإيطاليا، والمجر، في عام 1848 الطريق لهذه التغيرات. أبدى أنصار القومية المعنيين بكفالة الحقوق في الأوطان المقترحة حديثا استعدادهم التام لرفض حقوق الجماعات العرقية الأخرى. حرر الألمان في اجتماعهم بفرانكفورت دستورا قوميا جديدا لألمانيا، غير أنهم أنكروا على الدنماركيين، والبولنديين، والتشيكيين حق تقرير المصير داخل حدودهم المقترحة. وتجاهل المجريون الذين طالبوا بالاستقلال عن النمسا مصالح الرومانيين، والسلوفاكيين، والكرواتيين ، والسلوفينيين، الذين كانوا يشكلون أكثر من نصف سكان المجر. دمرت المنافسة فيما بين الأعراق ثورات عام 1848 ومعها الرابطة التي تجمع بين الحقوق وحق تقرير المصير القومي، ونجح التوحيد القومي لكل من ألمانيا وإيطاليا في خمسينيات وستينيات القرن التاسع عشر بفعل الحرب والدبلوماسية؛ ولم يلعب ضمان الحقوق الفردية أي دور في هذا الاتحاد.
تحولت القومية - التي كانت في وقت من الأوقات مندفعة بكل حماسة باتجاه ضمان الحقوق من خلال نشر حق تقرير المصير القومي - نحو الانغلاق والدفاعية على نحو متزايد. وعكس هذا التحول مدى هول مهمة خلق الأمم؛ فقد خيبت الخريطة اللغوية نفسها فكرة أنه يمكن تقسيم أوروبا على نحو منظم إلى دول قومية من المجموعات العرقية والثقافية المتجانسة نسبيا؛ فكل دولة قومية كانت تؤوي أقليات لغوية وثقافية في القرن التاسع عشر، حتى الدول العريقة مثل بريطانيا العظمى وفرنسا. فعندما أعلنت الجمهورية في فرنسا في عام 1870، لم يكن نصف سكانها يستطيعون تحدث الفرنسية؛ أما الباقون فقد كانوا يتحدثون لهجات أو لغات إقليمية مثل اللغة البريتانية، والبروفنسالية الفرنسية، والباسكية، والألزاسية، والكتالانية، والكورسية، والقسطانية، أو اللغة الكريولية في المستعمرات. كان يقتضي الأمر حملة تعليمية هائلة لدمج كل فرد في الأمة، وواجهت الأمم الطموحة ضغوطا أعظم بسبب اختلافات عرقية أكبر؛ فقد كان الكونت كاميلو دي كافور، رئيس وزراء المملكة الإيطالية الجديدة، يتحدث اللغة البيدمونتية كلغته الأولى، وأقل من ثلاثة بالمائة من إخوانه المواطنين كانوا يتحدثون الإيطالية الفصحى، بل وكان الموقف أكثر فوضوية في شرقي أوروبا، حيث عاش العديد من الجماعات العرقية المختلفة جنبا إلى جنب. فعلى سبيل المثال: لم تشتمل بولندا الجديدة على مجتمع كبير لليهود فحسب، وإنما أيضا على لتوانيين، وأوكرانيين، وألمان، وبيلاروس، وكل بلغته وتقاليده.
ساهمت صعوبة خلق تجانس عرقي أو الحفاظ عليه في المخاوف المتنامية بشأن الهجرة على الصعيد العالمي. اعترض قليلون على الهجرة قبل ستينيات القرن التاسع عشر، غير أنها تعرضت للنقد الشديد في الدول المستقبلة في ثمانينيات وتسعينيات نفس القرن؛ فقد حاولت أستراليا أن تمنع تدفق المهاجرين الآسيويين إليها لعلها تحافظ على شخصيتها الإنجليزية والأيرلندية، ومنعت الولايات المتحدة الهجرة إليها من الصين في عام 1882 ومن كل أنحاء آسيا في عام 1917، ثم وضعت حصصا محددة للهجرة لجميع الأجناس الأخرى عام 1924 بناء على التركيب العرقي الحالي لسكان الولايات المتحدة، وأصدرت الحكومة البريطانية «قانون الغرباء» عام 1905؛ كي تحول دون هجرة «غير المرغوب فيهم»، العبارة التي فسرها كثيرون على أنه يقصد بها يهود شرق أوروبا. وحتى فيما بدأ العمال والعبيد يحصلون على الحقوق السياسية المتساوية في هذه البلاد، وقفت المعوقات في طريق أولئك الذين لا يتمتعون بنفس الأصول العرقية.
وسط هذا الجو الوقائي الجديد، تسربلت القومية بخاصية يشوبها المزيد من الكره للأجانب والعنصرية. ومع أن كره الأجانب قد يستهدف أي جماعة أجنبية (الصينيين في الولايات المتحدة، أو الإيطاليين في فرنسا، أو الأيرلنديين في ألمانيا)، فإن العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر شهدت زيادة كبيرة في معاداة السامية. استخدم الساسة اليمينيون في كل من ألمانيا، والنمسا، وفرنسا، الصحف والنوادي السياسية، وفي بعض الحالات الأحزاب السياسية الجديدة؛ كي يشعلوا نار كراهية اليهود باعتبارهم أعداء الأمة. وبعد مرور عقدين من حملة الصحف اليمينية لمعاداة السامية، جعل حزب المحافظين الألماني معاداة السامية بندا رسميا من بنود برنامجه في عام 1892. وفي الوقت نفسه تقريبا، أثارت قضية دريفوس اضطرابات هائلة في عالم السياسة الفرنسي، فقد أشاعت انقسامات دائمة بين مؤيدي ومناوئي دريفوس. بدأت القضية في عام 1894 عندما اتهم خطأ ضابط جيش يهودي اسمه ألفريد دريفوس بالتجسس لصالح ألمانيا، وعندما حكم عليه بالإدانة - على الرغم من الأدلة الكثيرة على براءته - نشر الروائي الشهير إيميل زولا مقالة جريئة في الصفحة الأولى لإحدى الصحف يتهم فيها الجيش والحكومة الفرنسيين بطمس الأدلة عمدا بهدف إدانة دريفوس. وكرد فعل للانحياز المتنامي إلى جانب دريفوس، أثارت عصبة فرنسية حديثة التشكيل معادية للسامية الشغب في العديد من المدن والبلدات، الأمر الذي تتطور في بعض الأحيان إلى هجوم آلاف المتظاهرين على ممتلكات اليهود، واستطاعت العصبة أن تحشد عددا كبيرا من الناس؛ لأن العديد من المدن كانت تصدر بها الصحف تعج بالسب والقذف المعادي للسامية بانتظام. ومنحت الحكومة دريفوس العفو في عام 1899، وأخيرا برأته في عام 1906. على أن معاداة السامية تفاقمت للغاية في كل مكان. وفي عام 1895، نجح كارل لوجر في الفوز بمنصب عمدة فيينا معتمدا على برنامج معاد للسامية، وقد أصبح فيما بعد أحد أبطال هتلر.
Bilinmeyen sayfa