İnsan Haklarının Ortaya Çıkışı: Tarihi Bir Bakış
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Türler
32
كانت البطلات النساء آسرات للاهتمام؛ لأن سعيهن للاستقلال الذاتي ما كان لينجح مطلقا على نحو كامل. فالنساء كن يتمتعن بالقليل من الحقوق الشرعية في حال انفصالهن عن الوالد أو الزوج. وقد وجد القراء أن سعي البطلات للاستقلال ملوع؛ لأنهن سرعان ما يدركن القيود التي تجابهها أمثالهن حتما. وفي نهاية سعيدة للأحداث، تتزوج باميلا من السيد بي وتقبل القيود المفروضة على حريتها، وعلى النقيض، تموت كلاريسا، بدلا من أن تتزوج من لافلاس بعدما يغتصبها. ومع أنه يبدو أن جولي تقبل أن يجبرها والدها على التخلي عن الرجل الذي تحبه، فإنها تموت أيضا في المشهد الأخير.
يرى بعض النقاد المحدثين في هذه الروايات تلذذا بتعذيب الذات والألم، لكن النقاد المعاصرين لزمن تلك الروايات رأوا سمات أخرى؛ فالقراء من الرجال والنساء على السواء توحدوا مع هذه الشخصيات؛ لأن النساء أظهرن عزيمة بالغة وشخصية قوية. ولم يشأ القراء إنقاذ البطلات فحسب، بل أرادوا أن يكونوا مثلهن أيضا، حتى مثل كلاريسا وجولي على الرغم من نهايتهما المأسوية. وتكاد كل أحداث الروايات الثلاث تستخدم تعبيرات تتعلق بإرادة الأنثى، وهي الإرادة التي تصطدم عادة بالقيود الأبوية أو المجتمعية؛ فباميلا لا بد أن تقاوم السيد بي كي تصون حسها بالعفة وحسها بذاتها، وفي نهاية المطاف تؤدي مقاومتها إلى فوزها به. وتصمد كلاريسا في حزم أمام عائلتها ثم أمام لافلاس من أجل الأسباب عينها، وفي النهاية يتمنى لافلاس باستماتة أن يتزوج بها، وهو العرض الذي ترفضه. ولا بد أن تتخلى جولي عن سانت برو وتتعلم أن تحب حياتها بمعية وولمار؛ فكان الكفاح كله كفاحها وحدها. في كل رواية يتوقف كل شيء على رغبة البطلة في تحقيق الاستقلال، وتأتي أفعال الشخصيات الذكورية لتسلط الضوء فحسب على هذه العزيمة الأنثوية. وهكذا تعلم القراء المتعاطفون مع البطلات أن جميع الناس - حتى النساء - يطمحون لاستقلال أعظم، وأدركوا في مخيلاتهم الجهد النفسي الذي يستلزمه ذلك الكفاح.
عكست روايات القرن الثامن عشر انشغالا ثقافيا أعمق بالاستقلال. آمن فلاسفة عصر التنوير إيمانا راسخا بأنهم أحدثوا طفرة في هذا الشأن في القرن الثامن عشر. فعندما كانوا يتكلمون عن الحرية، كانوا يقصدون استقلال الفرد، سواء أكانت تلك الحرية حرية التعبير عن الآراء أو ممارسة شعائر الدين الذي يختاره الفرد، أو الاستقلال الذي كان يعلم للغلمان إذا اتبع أحدهم مبادئ روسو في دليله التعليمي «إيميل» (1762). ووصلت حكاية انتشار فكرة الاستقلال في عصر التنوير ذروتها في مقال إيمانويل كانط «ما التنوير؟» عام 1784. عرف كانط «الاستقلالية» ببراعة على أنها: «خروج البشرية من عدم النضج الذي ابتلت به نفسها.» ومضى قدما معرفا عدم النضج بأنه: «عدم القدرة على استغلال الفهم الذي يحققه الإنسان دون الاستعانة بتوجيه شخص آخر.» والتنوير في رأي كانط هو الاستقلال الفكري، أي قدرة الإنسان على التفكير بنفسه.
33
نبع تأكيد عصر التنوير على الاستقلال الفردي من ثورة القرن السابع عشر في الفكر السياسي، التي أشعل شرارتها هوجو جروشيوس وجون لوك، اللذان أكدا على أن إبرام الرجل المستقل اتفاقية اجتماعية مع أفراد مثله هو الأساس الوحيد الممكن لسلطة سياسية شرعية. فلو أردنا أن يحل عقد مبرم بين رجال مستقلين محل السلطة المدعومة بالحق الإلهي والكتاب المقدس والتاريخ، لكان لزاما أن نعلم الغلمان أن يفكروا بأنفسهم. وعليه تحولت النظرية التعليمية، التي كان للوك وروسو أثر بالغ في تشكيلها، من التأكيد على الطاعة المفروضة بواسطة العقاب إلى غرس حذر للمنطق باعتباره الوسيلة الرئيسية للاستقلال. ووضح لوك أهمية الممارسات الجديدة في أطروحته «أفكار عن التربية» (1693) فقال: «لا بد أن ننظر إلى أولادنا عندما يكبرون على أنهم مثلنا ... فنحن نحب أن ينظر إلينا على أننا مخلوقات عاقلة، وننعم بالحرية، ونؤثر ألا نظل خاضعين للتوبيخ والتخويف المستمرين.» وكما أدرك لوك، يعتمد الاستقلال السياسي والفكري على تنشئة الأطفال (صبيان وبنات، وفق رأيه) على توجهات جديدة؛ فالاستقلال يتطلب علاقة جديدة بالعالم، وليس مجرد أفكار جديدة.
34
ومن ثم كي يفكر الإنسان بنفسه ويقرر بنفسه لا بد من حدوث تغيرات نفسية وسياسية مكافئة للتغيرات الفلسفية. في دراسته بعنوان «إيميل» دعا روسو الأمهات إلى بناء جدران نفسية عازلة بين أطفالهن وكل الضغوط الخارجية الاجتماعية والسياسية، فحثهن قائلا: «ضعي في وقت مبكر سياجا حول نفس طفلك.» وأكد الواعظ الإنجليزي ومؤلف الكتيبات السياسية ريتشارد برايس في عام 1776، عندما كتب مؤيدا لسكان المستعمرات الأمريكيين، أن أحد الجوانب العامة الأربعة للحرية هو جانب الحرية البدنية فقال: «مبدأ «التلقائية» هذا، أو «حق تقرير المصير»، هو الذي يجعنا أحرارا.» من وجهة نظره، كانت الحرية مرادفا لتوجيه الذات أو حكم الذات، وتوحي الاستعارة السياسية في هذا السياق بحكم الذات نفسيا، غير أن المصطلحين مرتبطان ارتباطا وثيقا.
35
أراد المصلحون الذين ألهمهم عصر التنوير أن يصلوا إلى ما هو أبعد من حماية الأجساد أو بناء سياج لحماية النفس بالصورة التي نبه إليها روسو، فطالبوا بتوسيع نطاق عملية صنع القرار الفردي. وتوضح القوانين الثورية الفرنسية التي فرضت على العائلة عمق المخاوف من القيود التقليدية المفروضة على الاستقلال. في مارس من عام 1790، ألغت الجمعية الوطنية التأسيسية حق البكورية، الذي يمنح حقوق وراثة استثنائية للابن الذكر البكر، و«المراسيم المختومة» المشينة التي كانت تخول للعائلات سجن أولادها بدون جلسات استماع. وفي أغسطس من نفس العام، أنشأ المشرعون المجالس العائلية للاستماع إلى المنازعات بين الآباء والأبناء حتى سن العشرين، بدلا من منح الآباء السيطرة المطلقة على أبنائهم. وفي أبريل من عام 1791، أصدرت الجمعية مرسوما يقر بأنه لا بد أن يرث كل الأبناء، الذكور منهم والإناث، بالتساوي. وبعدئذ، في أغسطس من عام 1792، خفض المشرعون سن الرشد من الخامسة والعشرين إلى الحادية والعشرين، وأعلنوا أن البالغين ما عادوا خاضعين للسلطة الأبوية، ولأول مرة في تاريخ فرنسا أباحوا الطلاق، فجعلوه متاحا استنادا على نفس الأسس القانونية لكل من الرجال والنساء. خلاصة القول، فعل الثوار كل ما في وسعهم لإزالة المعوقات التي تعوق الاستقلال الشخصي.
Bilinmeyen sayfa