İnsan Haklarının Ortaya Çıkışı: Tarihi Bir Bakış
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Türler
12
معين يتقاسمه نطاق عريض من البشر.
وحتى فيلسوف القانون الطبيعي السويسري المتشدد جان جاك بورلماكي أصر على أن الحرية لا يمكن بلوغها إلا من خلال المشاعر الداخلية لكل إنسان عندما صرح قائلا: «مثل هذه الأدلة الشعورية تسمو فوق كل عائق وتولد أرسخ القناعات الإيمانية.» وحقوق الإنسان ليست مجرد مذهب صيغ في وثائق، بل هي في جوهرها نزعة نحو الآخرين، أو مجموعة من القناعات حول كنه الناس وكيف يميزون الصواب من الخطأ في العالم العلماني. وكان لا بد للأفكار الفلسفية، والتقاليد الشرعية ، والسياسات الثورية أن تتحلى بمثل هذا النوع من المرجعية الشعورية الداخلية كيما تصير حقوق الإنسان «بديهية» بالفعل. وكما أصر ديدرو، كان لا بد أن يشعر كثير من الناس بهذه المشاعر، وليس فقط الفلاسفة الذين كتبوا عنها.
13
كان تعزيز هذه الأفكار المتعلقة بالحريات والحقوق في جوهره مجموعة من الافتراضات عن الاستقلال الفردي؛ فلكي تكون لدينا حقوق للإنسان، كان لا بد أن ينظر إلى الناس باعتبارهم أشخاصا مستقلين قادرين على إبداء رأي أخلاقي مستقل، فكما وصفها بلاكستون؛ حقوق الإنسان تقتضي أن يعتبر الفرد «إنسانا حرا منح القدرة على التمييز بين الخير والشر». لكن لكي يصبح هؤلاء الأفراد المستقلون أعضاء في أحد المجتمعات السياسية بناء على تلك الآراء الأخلاقية المستقلة، كان لا بد أن يقدروا أولا على التعاطف مع الآخرين. سيتمتع كل فرد بحقوقه فقط إذا أمكن النظر لكل الناس على أنهم متساوون بصورة جوهرية. لم تكن المساواة مجرد مفهوم تجريدي أو شعار سياسي، وكان لا بد أن تدمج بطريقة ما في طبيعة الإنسان.
وعلى الرغم من أننا نأخذ أفكار الاستقلال الذاتي والمساواة، بالإضافة إلى حقوق الإنسان، على أنها مسلم بها، فإنها لم تكتسب فعاليتها إلا في القرن الثامن عشر. ولقد تعقب فيلسوف الفلسفة الأخلاقية المعاصر جيه بي شنيويند أصول ما يطلق عليه «نشأة الاستقلالية»، وأكد شنيويند قائلا: «ركزت النظرة الجديدة التي بزغت في نهاية القرن الثامن عشر على الاعتقاد بأن كل الأشخاص الطبيعيين قادرون بالتساوي على العيش معا في إطار فضيلة الاستقلال الذاتي.» ويكمن وراء أولئك «الأشخاص الطبيعيين» تاريخ طويل من الكفاح. في القرن الثامن عشر (وحتى وقتنا هذا في الواقع)، لم يمكن تصور كافة «الناس» على أنهم قادرون بالتساوي على الاستقلال الذاتي الأخلاقي؛ إذ اشتمل الأمر على سمتين وثيقتي الصلة لكنهما مختلفتان بوضوح: القدرة على تحكيم العقل، والاستقلالية في اتخاذ القرار. ولا بد من توافر كلتيهما لكي يتمتع الفرد بالاستقلالية الأخلاقية. وتنعدم القدرة الضرورية على تحكيم العقل لدى فاقدي الأهلية من أطفال ومختلي العقل، لكنهم ربما يكتسبون هذه القدرة أو يستعيدونها يوما ما. وكما الأطفال، كان الرقيق، والخدم، ومن ليست لديهم ممتلكات، والنساء، يفتقرون إلى وضع الاستقلال اللازم كيما يكونوا مستقلين استقلالا كاملا. ولعل الأطفال يتمتعون يوما ما بالاستقلال الذاتي عندما يكبرون، والخدم عندما يتركون الخدمة، ومن ليست لديهم ممتلكات عندما يبتاعون الممتلكات، بل حتى الرقيق عندما يشترون حريتهم. وبدا أن النساء وحدهن ليست أمامهن أي من هذه الخيارات؛ فقد وضعن في إطار أنهن معتمدات بالفطرة على آبائهن أو أزواجهن. ولو أن أنصار حقوق الإنسان العالمية المتساوية الطبيعية استثنوا تلقائيا بعض فئات الناس من مزاولة تلك الحقوق، فهذا يرجع في المقام الأول إلى أنهم يرون هذه الفئات أقل من أن تتمتع بالقدرة الكاملة على الاستقلالية الأخلاقية.
14
غير أن قدرة التعاطف حديثة الاكتشاف استطاعت أن تقاوم أقدم الآراء المسبقة وأكثرها رسوخا؛ ففي عام 1791 منحت الحكومة الفرنسية الثورية اليهود المساواة في الحقوق، وفي عام 1792 منح حتى غير مقتني الممتلكات حق الاقتراع، وفي عام 1794 ألغت الحكومة الفرنسية الرق رسميا. ولم يكن لكل من الاستقلالية والتعاطف شكل محدد المعالم، فهما مهارتان يمكن اكتسابهما، كما يمكن تفنيد القيود «المقبولة» المفروضة على الحقوق، وقد كانت تفند بالفعل. ولا يمكن وضع تعريف نهائي دائم للحقوق؛ ذلك لأن قاعدتها الشعورية تتغير على الدوام، ويعزى هذا جزئيا إلى إعلانات الحقوق. وتظل الحقوق عرضة للمناقشة؛ لأن مفهومنا عن هوية من يملك الحقوق وماهية هذه الحقوق يتغير على الدوام. إن ثورة حقوق الإنسان مستمرة بحكم طبيعتها الخاصة.
إن الاستقلال الذاتي والقدرة على التعاطف هما ممارستان ثقافيتان، وليستا مجرد فكرتين، ومن ثم فهما مجسمتان بالمعنى الحرفي، بمعنى أن لهما أبعادا فيزيائية تماما مثل الأبعاد العاطفية. يتوقف الاستقلال الفردي على إحساس متزايد بانفصال الأجساد البشرية وقدسيتها: فجسدك ملك لك أنت، وجسدي ملك لي أنا، وينبغي لكلينا أن يحترم الحدود بين جسدينا. أما التعاطف فهو يتوقف على الاعتراف بأن الآخرين يشعرون ويفكرون مثلنا، وأن مشاعرنا الداخلية متشابهة تشابها جوهريا. ولكي يصير الإنسان مستقلا ذاتيا، فلا بد أن يكون منفصلا قانونيا، وفي انفصاله هذا يتمتع بالحماية ، لكن لكي تدعم الحقوق هذا الانفصال الجسدي، لا بد أن تقدر فردية الإنسان تقديرا يغلب عليه الطابع العاطفي. تتوقف حقوق الإنسان على امتلاك الذات، وعلى الاعتراف بأن كل الآخرين [يمتلكون ذواتهم] على قدم المساواة. وعدم اكتمال فكرة حق الآخرين في امتلاك ذواتهم هو المسئول عن ظهور أشكال عدم المساواة كافة في الحقوق التي شغلتنا على مر التاريخ.
لم تظهر الاستقلالية الذاتية والتعاطف في القرن الثامن عشر بدون سابق إنذار، بل كانت لهما جذور عميقة. فعلى المدى الطويل لقرون عديدة، بدأ الأفراد ينسحبون بعيدا عن حبائل المجتمع وأصبحوا أفرادا مستقلين أكثر فأكثر، من الناحية القانونية والنفسية. فقد أوجد الخجل المتزايد طيلة الوقت من الوظائف الجسدية والإحساس المتزايد بآداب اللياقة الجسدية احتراما أعظم للتكامل الجسدي وحدودا أوضح للفصل بين أجساد الأفراد. وبمرور الوقت، بدأ الناس ينامون في الفراش بمفردهم أو مع الزوج أو الزوجة فقط، واستخدموا الأواني لتناول الطعام، وبدءوا ينظرون إلى السلوك الذي كانوا يقبلونه قبلا، على أنه سلوك كريه، مثل إلقاء الطعام على الأرض أو مسح فضلات الجسم في الملابس. وكان التغير المستمر في الأفكار والنظريات المتعلقة بدواخل النفس وعمقها، بدءا من الروح المسيحية ومرورا بالضمير البروتستانتي ووصولا إلى أفكار القرن الثامن عشر عن الإدراك الحسي، قد ملأ النفس بمحتوى جديد. وقد حدثت كل هذه العمليات على مدى فترة زمنية طويلة.
Bilinmeyen sayfa