83

فكما نقول: إن الأرقام الفلانية تعطي المجموع الفلاني، هكذا يمكننا أن نقول: إن مجموع الحوادث - البعيدة والقريبة - التي توالت على الدولة التركية قضت بفصلنا نهائيا عن جسم هذه الدولة، فانفصلنا، ولكننا لم نزل نحمل فوق أكتافنا قسما مهما من هفوات تركيا ومن ديونها.

وقد رافق هذا الانفصال حوادث سياسية مشئومة قضت بوجود جيش احتلال سندفع نفقاته المادية والأدبية عاجلا أو آجلا، أما النفقات المادية فهي الملايين التي يقوم لها البرلمان الفرنسوي ويقعد، وأما النفقات الأدبية فهي دماء أبناء السين، فكلما رفعنا رأسنا بطلب الحق - والنفس طلابة - يهيب بنا هاتف في داخلنا فيقول: «انظروا إلى الدماء إنها لا تزال طريئة»!

لو علم بعض الذين اندفعوا من أهل البلاد لتمثيل تلك الفاجعة أن روايتهم ستترك لنا هذه النتيجة لفضلوا أن يمشوا على الجمر قبل أن يلعبوا أدوارها؛ أقول هذا لأنني متيقنة أن الكثير من الذين ساروا مع التيار إنما ساروا عن طيب قلب، وصفاء نية.

أقرأ من حين إلى آخر في الجرائد السيارة فصولا عن ميزانية لبنان الكبير، وعندما أصل إلى الانتقادات على بعض النفقات، التي لو جمعت كلها لما بلغت المليونين، يتيه فكري في عالم الحقائق؛ فأرى «هذين المليونين» قطعا ذهبية تؤلف كومة صغيرة، وأرى بجانبها جبلا عظيما هو ذلك المليار!

ذلك المليار يجب أن نضع حدا لإنفاقه، يجب أن تجتمع كلمة السوريين واللبنانيين الموجودين في أقطار الأرض حول أمر واحد، وهو أن يطلبوا من الذين بيدهم زمام العالم أن يشفقوا على هذا القطيع الصغير، فيكفوا عنه هذه المناورات الحربية؛ ليتخلص من نفقات الحملة الحاضرة، ومن ويلات كل حملة. هذا ما يجب عمله أولا.

وبعد، يجب على الأمة أن تتعلم شيئا غير الكلام الفارغ، فتهتم بأمر حيوي هو إيجاد نسبة بين الصادرات والواردات، يجب على الأمة أن تنتج فلا ترسل مليونا إلى أوروبا إلا بعد أن تصدر من الحاصلات ما توازي قيمته المليون.

الاهتمام بالإنتاج، أيها الوطنيون، أهم من الاهتمام بحذف النفقات من ميزانية العدلية مثلا.

الإنتاج قبل السياسة الخارجية وتتبع المناوشات في لندن وباريس وواشنطن، الإنتاج قبل قراءة أسعار القطع؛ لأن البلاد التي تستخرج حاجاتها من أكل وشرب ولبس لا يمكنها أن تتأثر من سقوط الفرنك وارتفاع الدولار؛ لأن الإنتاج فوق كليهما.

الإنتاج مصدر العز، فبدلا من أن نقضي حياتنا بالتذلل أمام الأسواق الأوروبية نصبح سادة في أسواق بلادنا. •••

قرأت أمس خبرا في جريدة، مآله أن أهالي مقاطقة كولومبيا بدءوا يضطهدون السوريين، وحجتهم أن السوري يزاحم الوطني على خيرات البلاد. وهذه الحركة ضد السوريين ليست بالجديدة فقد سبقها أخوات لها في أماكن كثيرة.

Bilinmeyen sayfa