إن مجرد ذكر «نابوليون بونابرت» يجلب أمام مخيلة الذين وقفوا على شيء من التاريخ تصورات كثيرة، وخيالات كبيرة، من ذا الذي لم يسمع باسم هذا الرجل العظيم الذي ملأ الدنيا بذكره حتى دوى صيته في الخافقين، ولا يزال يرن صدى هذا الدوي في الآذان، وسيبقى كذلك ما دام على سطح هذه الكرة الأرضية إنسان! نابوليون بونابرت، ذلك الفتى الذي صعد من التراب، إلى السحاب، فارتقى من ضابط صغير فقير، إلى قمة أكبر عرش في العالم ... نابوليون ذلك الرجل القائد الذي دوخ أوروبا بأسرها، وركعت له القياصرة وسجدت له الملوك!!
الكلام على هذا النمط لائق بالشعراء، وذوي الخيال، وليس أفصح، ولا أغلى قيمة في البلاغة، من مقال السيد توفيق البكري - حفيد البكري الذي جالس نابوليون في منزله - عن نابوليون ... تلك الدرة اليتيمة التي كتبها السيد توفيق البكري عند زيارته لمقبرة البانتيون، وهي منشورة في كتابه «صهاريج اللؤلؤ».
وإنما يليق بنا في مقام التاريخ أن ننزل من ذروة الشعر والخيال، إلى أرض الحقيقة الجامدة والحوادث البارزة الباردة، فنقول:
ولد نابوليون في 15 أغسطس سنة 1769 «وفي نفس هذا العام ولد محمد علي مؤسس العائلة العلوية» في مدينة أجاكسيو من أعمال جزيرة كورسيكا، من أب اشتهر بالإقدام والوطنية، والميل إلى الشعر والفصاحة، ومن أم كانت مثال الكمال والإخلاص، وحسن الأحدوثة وطيب الخلق، ولقد وصفها باولي
7
في سنة 17936، بأنها امرأة جديرة بأن تلد الأبطال، وكان أهل الجزيرة مشهورين بالشجاعة، وحب الحرية، حتى طالبوا بها في ثورات اشتركت فيها أم نابوليون، وهي حامل فيه، وفي أهل كورسيكا كثير من صفات العرب الغرباء من حيث الكرم والشجاعة والصبر على المكاره، والتمسك بأهداب الحرية، ومن هذا العنصر ولد نابوليون العظيم.
لما بلغ نابوليون التاسعة من عمره أرسله أبواه في 15 ديسمبر سنة 1778 إلى «أوتون»
Autun
في فرنسا لتلقي العلوم ودراسة اللغة الفرنسية، وكانت أمه لا تحسن الكلام بهذه اللغة فبقي في فرنسا نيفا وسبع سنوات متوالية لم تقع فيها عينه على وطنه، ولما عاد إلى مسقط رأسه في سبتمبر سنة 1786 - أي: قبل قدومه لمصر قائدا عظيما بنحو اثنتي عشرة سنة - كان عمره سبعة عشر سنة، وقد سار ملازما ثانيا في الطوبجية، قال المؤرخون الذين لم يتركوا شاردة ولا واردة، من حياة نابوليون سواء وهو طفل على مكتبه، أو إمبراطور على أريكته: إن نابوليون لما كان تلميذا بمدرسة بريين
Brienne
Bilinmeyen sayfa