تلك كانت حالة مصر كما وصفناها بإسهاب قبيل الحملة الفرنسية، وهكذا كانت أخلاق الرجال الذين يحكمونها عند وقوع ذلك الحادث الجلل، في تاريخ السياسة والجنس البشري ومصر بنوع خاص، وأعني به قدوم نابوليون بونابرت لفتح مصر، بل لفتح أبوابها إلى العالم الأوروبي، والسياسة الاستعمارية، والمدنية الغربية أيضا.
وتلك كانت هي الأسباب السياسية والتاريخية التي جرت بسلسلتها الطبيعية إلى الاحتلال الفرنسي.
وسنأتي في الجزء الثاني من هذا الكتاب على الأسباب التي ساقت فرنسا، والسياسة الأوروبية، إلى فتح باب المسألة المصرية، في اللحظة الأخيرة من القرن الثامن عشر، وفي مستهل القرن التاسع عشر.
هوامش
الفصل الثاني
تاريخ فكرة الحملة الفرنسية على الديار المصرية
لا بد لنا قبل الكلام على الحملة الفرنسية؛ وما تم على يديها، وما حصل لها في هذه الديار المصرية، أن نفرد فصلا خاصا للأسباب التي حملت حكومة الجمهورية الفرنسية، على القيام بهذه الحملة، في الوقت الذي كانت فيه تلك الإدارة الفرنسية، مبغوضة ممقوتة من جميع دول أوروبا المعتبرة في ذلك الحين، حتى إنها كانت في الحقيقة في حرب مع النمسا وجمهوريات إيطاليا، «وإن يكن نابوليون قد أخضع هاتين الأخيرتين» وعداوة مستحكمة مع الروسيا، وحرب مستمرة مع إنكلترا، هذا فضلا عن أن الجمهورية الفرنسية، لم يكن قد توطدت بعد أركانها، أو ثبتت دعائمها.
قد يقال لنا إن هذا فصل من تاريخ فرنسا، وعلاقاتها بالدول الأخرى، وأن لا شأن له في تاريخ مصر، الذي هو الغرض من هذا الكتاب، ولكن اعتراضا كهذا لا يصدر إلا عن نظر سطحي؛ لأن الوقوف على حقيقة مركز مصر في السياسة الأوروبية، وعلاقة هذا المركز بالحركة الاستعمارية، التي قامت بها أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر، وأوائل التاسع عشر، لا يكون إلا بمعرفة المصريين الأسباب التي دفعت فرنسا إلى فتح الديار المصرية، ثم إن إدراك العوامل التي حاربت فرنسا في مصر، وأجبرتها على الجلاء عن هذه الديار، بل وفهم الحوادث التي سنأتي عليها في هذا الجزء من كتابنا، وفيما وقع من اتفاق الدولة العثمانية مع إنكلترا، والقضاء على كل أحلام نابوليون والفرنسيين كافة في الشرق، لا يكون إلا بفهم الأسباب التي حملت فرنسا للغارة على وادي النيل.
وإننا مع ما نعلمه من صعوبة هذا البحث، والتحقيق التاريخي بشأنه، لم نر بدا من الخوض فيه، مع أنه قد كان في إمكاننا التجاوز عنه، وصعوبة هذا البحث لا ترجع لقلة المواد أو لتشتتها، أو لغموضها، فهي هنا أكثر وضوحا وجلاء من البحث السابق، عن مصر قبل الحملة في المقدمة، والمصادر التي يرجع إلى الأخذ عنها كثيرة، وقد وضع فيه الكتاب الفرنسيون فصولا طويلة، بل وضعت له كتب خاصة وأحسنها وأوفاها كتاب «أسباب الحملة الفرنسية على مصر »
1
Bilinmeyen sayfa