194

Napolyon Mısır'da

نابوليون بونابارت في مصر

Türler

ليت شعري ماذا كان يؤمل السر سدني سميث من تقرير تلك الحملة والإشارة بها؟ أكان يؤمل الاستيلاء على مصر بواسطة ثمانية عشر ألف رجل من المشاة عديمي الخبرة والدربة، ولا خيول عندهم ولا مدافع ولا آلات حربية تحمي ظهورهم؟ أم كان يرجو من وراء ذلك أن يحمل الجيش الفرنسي على فتح باب المخابرات لكي يعود إلى أوروبا؟ فهل نسي أن بونابرت كان قائد ذلك الجيش وبطله المغوار؟ لا يوجد إلا جواب واحد على هذه الأسئلة، وهو أن جهل ذلك الضابط البحري بشئون الحرب البرية هو الذي برر عنده مشروع تلك الحملة، ولقد ارتكب مثل هذه الغلطة الفظيعة حين ألقى في يد الهلاك والفناء، على سواحل دمياط، بضع مئات من أحسن الجيوش الإنكشارية بعد هذا التاريخ بشهور قلائل . ا.ه.

ولكن هناك جوابا آخر غير جهل السر سدني سميث القائد البحري، بالحرب البرية ... ذلك الجواب الذي أثبته تاريخ إنكلترا الاستعماري في جميع حوادث القرن الماضي، هو أن الإنكليز لا يبالون بمقدار ما يعرضون من الرجال للموت والفناء، ما دام أولئك الجنود من جنس غير جنسهم، وطينة غير طينتهم، فلهم الغنم وعلى غيرهم الغرم، ووقائع السودان، وحملة هيكس باشا، وحوادث الحرب الأخيرة في شمال فرنسا، أعظم برهان على هذا الرأي، والسياسة لا قلب لها ولا ضمير، وهكذا فعلت فرنسا بأهل مراكش والجزائر في الحرب الأخيرة وهكذا تفعل جميع الأمم والدول. (5) استطلاع أخبار فرنسا

وفي صبيحة اليوم التالي للواقعة «26 يوليو»، وقبل أن يعود نابوليون إلى الإسكندرية أوفد اثنين من ضباطه لمقابلة السر سدني سميث في بارجته المسماة «تايجر» «النمر» بحجة المخابرة معه في تبادل الأسرى من الفريقين؛ إذ كان عند الأميرال الإنكليزي نحو ثلاثين من الجند الفرنساوي الذين أسروا في حصار عكا، كما أنه كان عند الفرنساويين كثير من أسرى الأتراك، ولم تكن رغبة تبادل الأسرى هي التي حملت نابوليون على إيفاد ذينك الضابطين لمقابلة عدوه اللدود، بل كانت له من وراء ذلك غاية أخرى، وهي الوقوف من السر سدني سميث على أخبار فرنسا وأحوالها، بعد أن انقطعت أخبارها عن نابوليون عدة شهور، وربما كانت له غاية أخرى، وهي الوقوف على حركات خصمه وسكناته، لعله يتمكن من الإفلات من يده، خصوصا وقد صمم نهائيا على مغادرة القطر المصري والعودة إلى فرنسا بعد أن تحقق لديه أن الحملة الفرنساوية في مصر مقضي عليها بالفشل، لضعف الحكومة المركزية في باريس، ولانقطاع المواصلة والمدد بين فرنسا ومصر بعد تحطم الأسطول الفرنساوي، وعجز البحرية الفرنساوية عن مجاراة الإنكليزية، فلما وصل الضابطان المشار إليهما آنفا إلى البارجة الإنكليزية، استقبلهما السر سدني سميث بالحفاوة والتكريم، وذكر «بوريين» في مذكراته أن نابوليون بعث مع رسوليه بهدايا نفيسة للسر سدني سميث، فأهدى هذا مثلها للضابطين ولاطفهما كثيرا وقبل منهما ما جاءا لأجله من تبادل الأسرى.

ولم يكن ليخفى على مثل السر سدني سميث أن وراء فكرة تبادل الأسرى وزيارة أولئك الضباط غاية أخرى لنابوليون، ولكن لم يثبت لنا التاريخ في مذكرات أو معلومات ما كان ينويه الأميرال الإنكليزي حين أعطى الضابطين الفرنساويين، فيما أعطاهم، بضع نسخ من الجرائد الإنكليزية ومجموعة من أعداد جريدة «لاجازيت فرنسيز ده فرانكفورت» الصادرة في المدة الواقعة بين أول إبريل وآخر يونيو من تلك السنة، وقد كانت أعداد هاتيك الصحيفة والصحف الإنكليزية مشحونة بأخبار انخذال الجمهورية الفرنساوية وخسائرها في حروب ألمانيا والنمسا وإيطاليا.

ويرى فريق من كتاب الإنكليز أن السر سدني سميث أراد، بإرسال تلك الصحف لنابوليون، إيقافه على أحوال بلاده واختلال شئونها ليحمله على فكرة الانجلاء عن مصر والعودة إلى فرنسا، وكانت نظرية عقد صلح، مع قائد الجيش الفرنسي في مصر، يقضي بجلاء ذلك الجيش عن وادي النيل، جلاء مقرونا بالحقوق العسكرية، أو ما يسمونه «شرف الحرب»، فكرة قائمة برأس السر سدني سميث، والدليل على ذلك أن قرر تنفيذها مع الجنرال كليبر ووضعت لذلك معاهدة وافية بعد سفر نابوليون، دون أن تكون لدى السر سدني سلطة تخول له ذلك العمل من حكومة بلاده، ويرى فريق من كتاب الفرنساويين أنه أراد أن يحرك في نفس نابوليون فكرة الفرار من مصر حين يعلم باختلال الأحوال في فرنسا ونضوج الثمرة التي كان يتطلع إليها، وربما كان يؤمل السر سدني سميث من وراء ذلك أن ينقض على نابوليون ويأسره في البحر، ويأخذ كل ما معه من التحف والطرف غنيمة باردة!!

ويرى غير هؤلاء أن السر سدني سميث أراد مجرد النكاية بنابوليون حين أرسل له تلك الصحف، كأن يقول له: «كيفما كانت انتصاراتك في البر فأنت في قبضة يدي، وبلادك مخذولة في حروبها مضطربة في داخليتها» وربما أراد الأميرال الإنكليزي كل هاتيك الأغراض، ولكن ما لا نزاع فيه، والذي عليه ثقاة المؤرخين، هو أن نابوليون لم يكن جاهلا بأحوال بلاده واضطراباتها، فقد ثبت من التحقيقات التاريخية أن يوسف بونابرت، شقيق نابوليون، بعث له برسائل وصلت إليه، على رواية بعضهم، وهو في حصار عكا، وعلى رواية آخرين، وصلت إليه في القاهرة، شرح له فيها حالة فرنسا وحثه على الإسراع في العودة إليها، وقد روى «ميو» في مذكراته حكاية غريبة، وهي أن أسرة نابوليون في فرنسا استأجرت رجلا يونانيا اسمه «بورباكي» وكانت له سفينة راسية في ميناء «ليفورنو» بإيطاليا، واتفقت معه على مبلغ أربعة وعشرين ألف فرنك تدفع له إذا هو استطاع إيصال الخطابات التي كتبها شقيقه إلى يده في مصر، وذكر «ميو» أن بورباكي وصل إلى الإسكندرية وتواترت إشاعة في الجيش الفرنساوي، بعد عودته من سوريا بقدوم رجل يوناني في بعثة سرية من فرنسا، وشك «ميو» في وصول خطاب من حكومة الديركتوار لنابوليون يدعوه إلى العودة إلى فرنسا لتولى قيادة جيوشها، ولكن المؤرخين المعجبين بنابوليون، ذكروا نص ذلك الخطاب وتاريخه من باريس في 21 مايو سنة 1799، فيكون وصوله إلى القاهرة في أواخر شهر يونيو معقولا.

وعلى كل حال فلا نزاع في أن نابوليون لم يكن في حاجة إلى صحف السر سدن سميث ليصمم على العودة بنفسه إلى فرنسا، فإنه قبل أن يتولى قيادة الحملة على مصر كان متطلعا إلى السيادة على فرنسا، ولا يخفى على ذكاء مثله الوقاد أن مصر لا تكون إلا في يد صاحب السيادة البحرية، وأن اتصاله بفرنسا قد أصبح مقطوعا، وأن آماله في الشرق قد قضي عيها القضاء المبرم في عكا، فعودته لبلاده في ذلك الوقت كانت ضربة لازب، وإنما اتخذ ما ورد في تلك الصحف واسطة للتأثير على من أراد أن يعود بهم من القواد، وليبرر خطته أمام بقية ضباط الجيش وقواده ورجال البعثة العلمية الذين جاء بهم، ثم تركهم وانسل إلى وطنه.

قال بويين في مذكراته ما نصه:

لما وصلت الصحف التي أرسلها السر سدني سميث انكب نابوليون على تلاوتها طول الليل.

ومن حديثه بعد ذلك مع بوريين قوله:

Bilinmeyen sayfa