179

Napolyon Mısır'da

نابوليون بونابارت في مصر

Türler

والخلاصة أن مصطفى بك قلب للفرنساويين ظهر المجن وبادأهم بالعدوان اعتمادا على قدوم جيش الجزار وإبراهيم بك من سوريا، فأمتد لهيب الثورة في مديريتي الشرقية والدقهلية، قال لاكروا «وهو ناقل عن كتاب برتران بإملاء نابوليون»: إن مصطفى بك أمير الحج وصلت إليه رسائل من الجزار بأن بونابرت قد قتل، وإن الجيش العثماني محيط بالجيش الفرنساوي، فرفع مصطفى بك راية العصيان جهارا، وأصدر منشورا يحرض أهالي مديرية الشرقية على الثورة، وذكر في ذلك المنشور، أن بونابرت قتل وأن جيشه قد تبدد، فانضم إليه بعض الأهالي حتى بلغت قوته نحو خمسمائة من المشاة ومثلها من الخيالة، فلما وصلت الأخبار إلى القاهرة، أصدر الجنرال دوجا أمره إلى الجنرال لأنوس حاكم إقليم المنوفية بمطاردة مصطفى بك والقضاء عليه، فصدع بما أمر، وبعد عناء ومشاق ومقابلات عديدة، تفرقت قوة أمير الحج شذر مذر، وفر هو هاربا إلى دمياط، وبحث لأنوس عن القرى التي اشتركت في الثورة وأحرقها، لتكون لغيرها مثالا وعبرة، وقد قال نابوليون في خطابه إلى حكومة الديركتوار المؤرخ 18 يونيه، رأى بعد أربعة أيام من وصوله إلى القاهرة، «وهكذا فقد ذلك الرجل - يريد مصطفى بك - في يوم واحد جميع الخيرات التي نالها على يدنا، وأصبح مشردا مطرودا من وطنه، بعيدا عن أسرته التي لا تزال بالقاهرة، وفقد كل كرامة واحترام».

وذكر الجبرتي في حوادث 24 شوال، أن الفرنساويين صادروا ممتلكات مصطفى بك وقبضوا على كتخدا الذي كان ناظرا على الكسوة، وأخذوا ما تركه بكر باشا من الأمتعة والملابس والسروج والخيل والجمال، قال: «فانقبضت خواطر الناس لذلك لأنهم كانوا مستأنسين بوجوده ووجود القاضي، ويتوسلون بشفاعتهما عند الفرنسيس وكلمتهما عندهم مقبولة وأوامرهم مسموعة» ... فليتأمل القارئ في الغرض من قول الجبرتي: «وكان الناس مستأنسين بوجود القاضي وأمير الحج.» كأنما كان وجود هذين الرجلين الممثلين للسلطة العثمانية خير ضمان للمصريين من الاحتلال الفرنساوي!! أو كأنما كان وجودهما يمثل في نظر القوم في ذلك الزمن ما كان يمثله وجود الغازي أحمد مختار باشا في زمن الاحتلال الإنجليزي! أم ليت شعري ماذا أراد الجبرتي من معنى الاستئناس بوجود ذينك الرجلين؟ وقد سبق لنا ذكر القاضي وأخلاقه، فلنضرب عنه صفحا، وأما مصطفى بك هذا فلم يكن من أهل المروءات ولا من ذوي الكفايات، يدلك على هذا بقاؤه في مصر وعدم سفره مع رئيسه، كما يدلك على انحطاط نفسه وجبنه، أن المنشورات التي بعثت بها الدولة إلى مصر، وهي التي جئنا على نصها العربي وصلت إلى مصطفى بك فأخذها هذا وذهب بها إلى نابوليون يتقرب إليه ويتملق،

2

ومن دلائل سخافته وضعف خلقه أنه بعد أن أغرى القاضي وأضر به وبأولاده وأسرته، وبعد أن سبب الأذى للأهالي الذين عضدوه، وحرقت قراهم، وصودرت أملاكهم، يكتب إلى الفرنساويين متملقا مستعطفا، فقد ورد في حوادث يوم الثلاثاء 26 شوال في الجبرتي ما نصه حرفيا «وفيه حضر إمام كتخدا الباشا «الإمام الذي يصلى به» ومعه مكتوب فيه الثناء على الفرنساوية، وشكر صنيعهم واعتنائهم بعملهم موكب الكسوة والدعاء لهم، وأنه مستمر على مودته ومحبته معهم، وفي آخر المكتوب وإن بلغكم من المنافقين عنا شيء فهو كذب ونميمة.» قال فقرئ كتابه بالديوان فلما فهمه الفرنسيس كذبوه ولم يصغوا إليه، وقالوا: إن خيانته تثبتت عندنا فلا ينفع الاعتذار، وكتبوا له أنه إن كان صادقا في مقالته فليذهب إلى ساري عسكر بونابرت بالشام، وأمهلوه ست ساعات بعد وصول الجواب إليه، وبعدها يأمرون العساكر بمطاردته والقبض عليه، ثم أصدر الجنرال دوجا منشورا للمصريين يعلنهم بعزل أمير الحج، ويثني على المصريين لعدم اشتراكهم في تلك الفتنة ويشير على الحجاج بمرافقة الكسوة والصرة ... إلخ.

ولم يعرف الجبرتي ما جرى على مصطفي بك سوى أنه ذكر أنه ربما رحل إلى الشام، ولكن المعلم نقولا روى أن مصطفى بك فر إلى غزة ومنها إلى عكا، فلما دخل على الجزار، قال: أنت الذي كنت أغاة الإنكشارية وأمير الحج «يريد عند الفرنساويين» قال: نعم ولكني هربت منهم وأتيت اليك ، فقال الجزار: ما أنت إلا جاسوس ثم أمر بقتله.

وهكذا كانت خاتمة مصطفى بك كتخدا الباشا وأمير الحج وزعيم هذه الثورة، أما الشيخ سليمان الفيومي الذي اشترك مع مصطفى بك أمير الحج في هذه الثورة أو سار معه شوطا بعيدا فيها، فلم أعثر على ما يثبت أن الفرنسيين عاقبوه أو عنفوه، لا سيما وأنه عضو في الديوان الخصوصي ومن كبار هيئة العلماء، ولم يذكر الجبرتي عند ذكره الفيومي في وفيات سنة 1225 هجرية - وهي السنة التي توفي فيها الشيخ سليمان الفيومي؛ أي: بعد هذا التاريخ بنحو ثلاثة عشر عاما - شيئا عن هذه الثورة وانضمامه إلى القائم بها، بل بالعكس قال عنه: «إنه لما طوقت الفرنساوية البلاد المصرية وأخرجوا منها الأمراء وخرج النساء من بيوتهن، وذهبن إلى داره أفواجا أفواجا حتى امتلأت داره وما حولها من الدور بالنساء، فتصدى لها وتداخل الفرنساوية ودافع عنهن، وأقمن بداره شهورا، وأخذ أمانا لكثير من الأجناد، وأحبه الفرنساوية وقبلوا شفاعاته ويحضرون إلى داره، ويعمل لهم الولائم، وساس أموره معهم وقرروه في رؤساء الديوان الذي رتبوه لإجراء الأحكام.» وقال أيضا:

ولما نظموا أمور القرى والبلدان المصرية على النسق الذي جعلوه، ورتبوا على مشايخ كل بلد شيخا ترجع أمور البلدة ومشايخها إليه، جعل الشيخ سليمان الفيومي شيخا للمشايخ، مضافا ذلك لمشيخة الديوان وحاكمهم الكبير فرنساوي يسمى «ابريزون» فازدحمت داره بمشايخ البلدان، فيأتون إليه أفواجا ويذهبون أفواجا، وله مرتب خاص خلاف مرتب الديوان، واستمر معهم في وجاهة إلى أن انقضت أيامهم وسافروا إلى بلادهم، وحضرت العثمانية والوزير يوسف باشا كان الشيخ في عداد العلماء المتصدرين. ا.ه.

وغرضنا من نقل هذه الشذرات، من ترجمة حياة الشيخ سليمان الفيومي، إظهار حالة العلماء وتصرفهم مع الفرنسيين، واستفادتهم من تلك الظروف، وأردنا كذلك أن نلفت النظر إلى الفقرة الخاصة بالنظام الذي وضعوه لمشيخة البلاد، فإن هذا البيان الذي ذكره الجبرتي عفوا، في ترجمة الشيخ سليمان الفيومي، لم يذكر في الكتب الفرنسية ولا في غيرها، حتى لقد صعب علينا رد الاسم الفرنسي - «أبريزون » - إلى أصله.

3 (2) ثورة المهدي في مديرية البحيرة

دعوى المهدوية قديمة العهد في الإسلام، ولطالما جلبت على المسلمين من أسباب المشاكل والحروب والرزايا والتحزبات والانقسامات، ما لا تزال ذكراه مؤلمة لنفوس المسلمين، وقد حدث في أواخر شهر ذي القعدة من سنة 1213 هجرية، أن رجلا مغربيا لم يذكر لنا واحد من المؤرخين اسمه، وكل ما ذكره الجبرتي عنه لا يتعدى بضع سطور نأتي على نصها قبل شرح ثورته ودعاويه الطويلة العريضة ومحارباته للفرنساويين أياما عديدة، قال الجبرتي في ختام أخبار شهر ذي القعدة: «ومن حوادثه أن طائفة من عرب البحيرة يقال لهم: عرب الغز، جاءوا وضربوا دمنهور وقتلوا عدة من الفرنسيس وعاثوا في نواحي تلك البلاد حتى وصلوا إلى الرحمانية ورشيد، وهم يقتلون من يجدونهم من الفرنسيس وغيرهم، وينهبون البلاد والمزروعات.» ثم قال في حوادث 2 من شهر ذي الحجة: «وتجمع كثير من الفرنسيس وذهبوا إلى جهة دمنهور، وفعلوا بها ما فعلوا في بني عدي من القتل والنهب لكونهم عصوا عليهم بسبب أنه ورد عليهم رجل مغربي يدعي المهدوية، ويدعو الناس ويحرضهم على الجهاد، وصحبته نحو الثمانين نفرا، وكان يكاتب أهل البلاد ويدعوهم للجهاد، فاجتمع عليه أهل البحيرة وغيرهم وحضروا إلى دمنهور وقاتلوا من بها من الفرنساوية، واستمر أياما كثيرة يجتمع عليه أهل تلك النواحي وتفترق، والمغربي المذكور تارة يغرب وتارة يشرق.» ا.ه.

Bilinmeyen sayfa