وأوجين بوهارنيه «هو ابن زوجته جوزفين»، وكلاهما من أركان حربه بمطاردة العربان الذين اعتدوا على الجرحى القادمين من جهة الشرقية وفتكوا بهم أثناء ثورة القاهرة فأحاطا بمن معهما من الجنود بكثير من مضارب البدو النازلين في الجهات الواقعة شرقي مديرية القليوبية، فأحرقوا خيامهم وخربوا دورهم وفتكوا بنسائهم وأولادهم، وقبضوا على مائتين من رجالهم، وكان أمر نابوليون قاضيا بذبح أولئك العربان ذبحا وجز رءوسهم من حلوقهم، وجمع هاتيك الرءوس المفصولة في أكياس ليتفرج عليها أهل القاهرة!
لا مبالغة في هذا القول فقد روى «بوريين » كاتب يد نابوليون في مذكراته ما نصه حرفيا:
بعد إخماد الثورة ببضعة أيام قضت ضرورة المحافظة على سلامتنا أن نعمل عملا قاسيا فظيعا، وذلك أن نابوليون بعث بالضباط كروازيه أحد أركان حربه وأمره أن يهاجم قبيلة من البدو كانت اعتدت على شرذمة من جنودنا، وأن يحيط بتلك القبيلة ويحرق مساكنها، ويذبح رجالها، وكان الأمر يقضي بأن يجمع رءوس القتلى في أكياس ليعرضها على سكان القاهرة وكان «بوهارنيه» مع كروازيه في تلك المهمة القاسية، فعادا في اليوم التالي ومعهما عدد عديد من الحمير محملة بأكياس ملأى بالرءوس البشرية! وفتحت هاتيك الأكياس، وأفرغ ما فيها أمام أعين الناس المجتمعين! وأني لا أستطيع أن أصف بشاعة ذلك المنظر، ولا القشعريرة التي أحسست بها عند رؤيته.
وغريب أن الجبرتي لم يذكر شيئا عن هذه الحادثة، وما أظنها خفيت عليه، ولكن ربما نسي تقييدها أو سقطت من أوراقه قبل تنسيقها وتدوينها. (والرابع) من ذلك إرسال برطلمين الرومي وكيل محافظة القاهرة بفئة من الجند إلى جهة سريافوس لمطاردة الفارين من أهل القاهرة الذين خافوا العقاب فلم يدرك أحدا منهم، ولكنه عوض عن فشله، لإرضاء أسياده الفرنساويين، بنهب البلاد وإحراق القرى وفرض المغارم حتى ضج العباد واستغاثوا من مظالمه.
وقد سبق لنا ذكر هذا الرجل الرومي الذي عينه الفرنساويون عند احتلالهم القاهرة كتخدا مستحفظان «وكيل محافظة» ولا أدري لماذا اختاروه لتلك الوظيفة في الوقت الذي كانوا يتحببون فيه إلى المسلمين، ولكن الذنب في ذلك واقع على المشايخ الذين أفتوا لهم بأن سوقة مصر لا يخافون إلا من المماليك وأشباههم، فلذلك عينوا محمد أغا المسلماني، وهو أرمني حديث عهد بالإسلام، أغات مستحفظان؛ أي: محافظا للقاهرة، وعينوا برطلمين هذا وكيلا له، فبئس الأصيل وبئس الوكيل! واسم برطلمين الحقيقي «رتامي» وكان العامة في مصر - على رواية الجبرتي - يسمونه «فرط الرمان» وقال عنه: إنه من أسافل نصارى الأروام العسكرية القاطنين بمصر، وكان من الطبلجية عند محمد بك الألفي، وله حانوت بخط الموسكي يبيع فيه القوارير الزجاج، فلما دخل الفرنساويون عينوه في تلك الوظيفة فسكن في بيت بحي كاشف الكبير بحارة عابدين فأخذه بما فيه من فرش ومتاع وجواري وغير ذلك.
8
وأما أولئك المغاربة الذين كانت لهم اليد الطولي في الفتنة والمشاغبة فإن الفرنساويين أطلقوا سراح الذين قبضوا عليهم بوساطة كبيرة من بين جنسهم اسمه عمر القلقجي، وقد جمع هذا أولئك «الفتوات» من أوباش المغاربة فانتقى نابوليون فئة كبيرة ألف منها فرقة عسكرية تحت زعامة عمر المذكور، قال الشيخ الجبرتي في حوادث يوم 18 جمادى الأولى «يوافق 28 أكتوبر»: «إن أولئك المغاربة بعثوا بهم إلى جهة بحري فضربوا كفر عشما وقتلوا كبيرها المسمي بابن شعير، ونهبوا داره ومتاعه وبهائمه، وكان شيئا كثيرا جدا، وأحضروا إخوته وأولاده وقتلوهم، ولم يتركوا منهم سوى ولد صغير جعلوه شيخا عوضا عن أبيهم.»
ورواية الجبرتي في هذه الحكاية مضطربة، شأنه في كل الحوادث التي تبعد عن القاهرة فإن مهاجمة كفر عشما وقعت في 20 أكتوبر وهو يوافق 10 جمادى الأولى؛ أي: قبل الثورة بيوم واحد، والفرنساويون يقولون إن ابن شعير أو أبا شعير كان من كبار اللصوص وقطاع الطريق أو من يسمونه «شيخ منصر» ولقي منه الفرنساويون في مديرية المنوفية الأمرين فكان يهاجمهم ويفتك بجنودهم، ويسلب ذخائرهم وأسلحتهم ويختفي بمن معه، فطاردهم وطاردوه، وقاتلهم وقاتلوه، حتى كانت ليلة السبت 20 أكتوبر اتصل بالجنرال لأنوس
Lanusse
أن أبا شعير يبيت في كفر عشما
Bilinmeyen sayfa