113

Napolyon Mısır'da

نابوليون بونابارت في مصر

Türler

وليت شعري: هل كان الشيخ عبد الرحمن الجبرتي أحد المدعوين في ذلك الاحتفال، حتى إنه شهده عن قرب واشترك فيه، أو أنه كان من المفرجين من بعيد؟؟

كل الدلائل تشير إلى أنه كان من المدعوين؛ لأنه كان من كبار العلماء الذين يشار إليهم، وكان قبل من المتقربين إلى المماليك، فلا يعقل أن تترك دعوته، وإن ساءه من المعلم جرجس الجوهري والمعلم فلتيوس لبسهما تلك الملابس المقصبة، إلا أن النقطة التي يصعب علينا تحقيقها، هي قوله إن كبير قسوسهم «الفرنساوية» قرأ عليهم ورقة بلغتهم، ولم يك مع الفرنساويين قساوسة، فقد كانوا خرجوا من جميع الأديان في الثورة، وكتاب الفرنساويين يقولون إن الذي تلا ذلك الخطاب على الجنود، هو نابوليون نفسه! فكيف أخطأ الجبرتي في تمييزه بين «صاري عسكر بونابرته»، وبين «كبير قسوسهم»؟؟ وإن يكن من المحتمل كثيرا، أن يكون نابوليون قد كتب ذلك الخطاب وعهد إلى أحد كبار العلماء بتلاوته، إلا أن «ميو» وهو أيضا شاهد عيان، يقول إن الذي خطب في الجنود هو نابوليون بصوته الرنان، والمعلم نقولا الترك وهو شاهد عيان آخر، لم يذكر شيئا عن خطاب ما، وأحسن ما ورد في عبارته عن هذا الاحتفال قوله عن الصاري الكبير الموضوع في وسط الأزبكية: «إن الفرنساويين كانوا يسمونه شجرة الحرية، وأما أهالي مصر فكانوا يقولون إن هذه إشارة إلى الخازوق الذي أدخلوه فينا باستيلائهم على مملكتنا»!

وإني لا أشك في أن عبارة المعلم نقولا هذه صحيحة، فهي وإن تكون من نكات العامة في مصر، ومع أنها سخافة من سخافاتهم، إلا أنها تعبر عن شعور القوم في ذلك الحين! وغريب تصورهم أنه كانت لهم مملكة وضاعت، مع أنهم كانوا دائما عبيدا للحكام المماليك، وهم لا يقلون في الأجنبية عن أولئك الفرنساويين، سوى أن أولئك كانوا مسلمين «وإن كان إسلامهم ضعيفا»، وهؤلاء كفار، لا يعرف لهم دين ولا عقيدة.

فهذه قوة اليقين عند المسلمين ، وهذه عقيدتهم الدينية التي جعلت مصطفى كامل بعد هذا التاريخ بمائة عام - تغيرت فيها المذاهب، وتبدلت فيها العقائد - لما حاجه بعضهم في تعلقه بالدولة العثمانية مع ظلم الأتراك، واستبداد السلطان عبد الحميد، وهو «أي: مصطفى كامل» من طلاب الحرية والدستور!!، يصرح في إحدى خطبة بقوله: «إننا نقول وسيف السلطان على رقابنا: ليحيا جلالة السلطان.» وفي هذا قد عبر مصطفي كامل عن شعور المسلمين في جميع بقاع الأرض، وعلى كل حال فنحن تأتي على نص خطاب نابوليون من المصادر الفرنساوية لأهميته التاريخية:

أيها الجنود:

إننا نحتفل بتذكار اليوم الأول من السنة السابعة لإقامة الجمهورية الفرنساوية، فمنذ خمس سنوات كان استقلال الشعب الفرنساوي مهددا، ولكنكم أنتم باستيلائكم على طولون قد قضيتهم على مقاصد أعدائكم، ولم تمض سنة على ذلك حتى كنتم قد قهرتم النمساويين في موقعة ديجو (Dego)

وفي السنة التالية كنتم تتسرفون من قمم جبال الألب «على الممالك النمساوية»، ومنذ سنتين فقط كنتم تهاجمون أسوار مانتوا (Mantuoua) ، وحزتم ذلك النصر الباهر عند قرية سان جورج، وفي السنة الماضية كنتم عند منابع نهري درافا والأسونزو، عائدين من انتصاراتكم في ألمانيا! فمن كان يظن أنكم في هذا اليوم تكونون كما أنتم الآن على ضفاف نهر النيل، في وسط هذه القارة العتيقة؟! فاعلموا أن أمر العالم - من الإنكليزي المتمدين الراقي إلى البدوي المتوحش - تنظر إليكم محدقة.

أيها الجنود، إن مستقبلكم باهر؛ لأنكم جديرون بما قمتم به من جلائل الأعمال، وجديرون بالحكم الذي يحكمون به عليكم، فإما أن تموتوا موت الأبطال الذين نقشت أسماؤهم على هذا الهرم، وإما أن تعودوا لوطنكم مكللين بغار الفخر والفخار، ومصحوبين بإعجاب العالم من صغار وكبار! واعلموا أننا منذ برحنا وطننا ونحن موضوع رعاية وعناية أبنائه، وفي هذا اليوم يحتفل مثلكم أربعون مليونا من الفرنساويين بخلع نير الاستبداد وبإقامة الحكم الدستوري، وهم في أفراحهم يذكرون أنهم مدينون لأعمالكم ولدمائكم في حفظ السلم ونمو الثروة والتمتع بالحرية المدنية.

فلما فرغ من تلاوة هذا الخطاب الذي قصد به مع كل هذا الاحتفال، تمليق مشاعر الجنود وتطيب خواطرهم، هتفوا فلتحيا الجمهورية! وليحيا الجنرال بونابرت! وذهبت شرذمة من الجنود تحمل الراية المثلثة الألوان إلى الجيزة لتقيم تلك الراية على أعلى نقطة في الأهرام، وعاد نابوليون إلى داره، قال الجبرتي: «ثم رجع صاري عسكر إلى داره فمد سماطا عظيما للحاضرين، فلما كان عند الغروب أوقدوا جميع القناديل وعملوا حراقة وصواريخ» ... إلى آخره. (4) المسلمون والأقباط

إن يكن الشيخ الجبرتي قد ساءه من المعلم جرجس الجوهري، كبير الأقباط في ذلك العهد، توشحه بتلك الملابس المذهبة في الاحتفال، وخروجه مع أمثاله عما اعتاده من الملابس التي ألفها المصريون، إلا أنه مع ذلك قد كان من المحبين للمعلم جرجس، ومن المعجيبن به، وحقيقة يظهر من غالب ما كتبه الجبرتي عنه، أو من بقية الأخبار التي وردت عن ذلك الرجل، أنه كان من أكابر القوم، جامعا لكثير من الصفات الطيبة، فهو لم يفعل مثل المعلم «يعقوب» الذي خرج عن حدوده وجمع له جندا من بعض فقراء الأقباط، وكاشف المسلمين بالعداوة، كما سيأتي في مكانه.

Bilinmeyen sayfa