فصل في أقسام العلل وأحوالها والمبدأ
يقال لكل ما يكون قد استتم له وجود في نفسه إما عن ذاته وإما عن غيره ثم يحصل عنه وجود شيء آخر ويتقوم به ثم لا يخلو إما أن يكون كالجزء لما هو معلول له أو لا يكون كالجزء - فإن كان كالجزء فإما أن يكون جزأ ليس يجب عن حصوله بالفعل أن يكون ما هو معلول له موجودا بالفعل - وهذا هو العنصر فإنك تتوهم العنصر موجودا ولا يلزم من وجوده بالفعل وحده أن يحصل الشيء بالفعل بل ربما كان بالقوة - وإما أن يجب عن وجوده بالفعل وجود المعلول له بالفعل وهذا هو الصورة - مثال الأول الخشب للسرير - مثال الثاني الشكل والتأليف للسرير. وإن لم يكن كالجزء فإما أن يكون مباينا أو ملاقيا لذات المعلول. فإن كان ملاقيا فإما أن ينعت المعلول به وهذا هو كالصورة للهيولى - وإما أن ينعت بالمعلول - وهذا هو كالموضوع للعرض وإن كان مباينا فإما أن يكون الذي منه الوجود وليس الوجود لأجله وهو الفاعل - وإما أن لا يكون منه الوجود بل لأجله الوجود وهو الغاية. فتكون العلل هيولى للمركب وصورة للمركب وموضوعا للعرض وصورة للهيولى وفاعلا وغاية ويشترك الهيولى للمركب والموضوع للعرض بأنهما الشيء الذي فيه قوة وجود الشيء وتشترك الصورة للمركب والصورة للهيولى بأنه ما به يكون المعلول موجودا بالفعل وهو غير مباين والغاية تتأخر في حصول الوجود عن المعلول وتتقدم سائر العلل في الشيئية. ومن البين أن الشيئية غير الوجود في الأعيان فإن المعنى له وجود في الأعيان ووجود في النفس وأمر مشترك فذلك المشترك هو الشيئية. والغاية بما هي شيء فإنها تتقدم سائر العلل وهي علة العلل في أنها علل وبما هي موجودة في الأعيان قد تتأخر وإذا لم تكن العلة الفاعلة هي بعينها العلة الغائبة كان الفاعل متأخرا في الشيئية عن الغاية وذلك لأن سائر العلل إنما تصير عللا بالفعل لأجل الغاية وليست هي لأجل شيء آخر وهي توجد أولا نوعا من الوجود فتصير العلل عللا بالفعل ويشبه أن يكون الحاصل عند التمييز هو أن الفاعل الأول والمحرك الأول في كل شيء هو الغاية فإن الطبيب يفعل لأجل البرء وصورة البرء هي الصناعة الطبية التي في النفس وهي المحركة لإرادته إلى العمل وإذا كان الفاعل أعلى من الارادة كان نفس ما هو فاعل هو محرك من غير توسط من الارادة التي تحدث عن تحريك الغاية - وأما سائر العلل فإن الفاعل والقابل قد يتقدمان المعلول بالزمان وأما الصورة فلا تتقدم بالزمان البتة. والقابل دائما أخس من المركب والفاعل أشرف لأن القابل مستفيد لا مفيد والفاعل مفيد لا
Sayfa 172