Bilimsel Bir Felsefeye Doğru
نحو فلسفة علمية
Türler
كان نيوتن وجاليليو من علماء النهضة الأوروبية يأخذان بهذا التمييز بين الجانب الرياضي والجانب الذاتي من كل شيء على حدة، ومن العالم بصفة عامة، ليحصرا البحث العلمي في الجانب الرياضي وحده من الأشياء؛ أي في جانب صفاتها الأولية دون صفاتها الثانوية، لكن هذه التفرقة بين طائفة وأخرى من صفات الشيء الواحد، لنجعل إحداها «جوهرا» والأخرى «عرضا»، لا تزيل المشكلة كما توهمنا بها اللغة وتراكيبها النحوية؛ لأننا نتحدث عن شيء ما بصفاته الأولية وبصفاته الثانوية على السواء، كأنما الشيء الذي نتحدث عنه هو جانب مستقل عن كلتا الطائفتين من الصفات؛ فلا فرق بين قولي «هذه البرتقالة مستديرة» وقولي «هذه البرتقالة صفراء»، فكلا القولين يفرض موصوفا في ناحية وصفة في ناحية أخرى، سواء كانت تلك الصفة أولية كالاستدارة، أو ثانوية كاللون الأصفر؛ وإذن فلا يزال السؤال قائما: ما هو هذا الشيء الذي نصفه بهذه الصفة أو بتلك؟
هذا إلى أن تفرقتنا بين الصفات الأولية من ناحية والصفات الثانوية من ناحية أخرى، لنجعل من الأولى جوهرا تطرأ عليه الثانية أعراضا، أقول إن تفرقتنا هذه لو أقمناها على أساس أن الصفات الثانوية معتمدة على إدراكنا الحسي، فلا لون بغير عين ولا صوت بغير أذن ولا طعم بغير لسان، فكذلك نجد الصفات الأولية محالا عزلها عن الحواس؛ لأنني لا أعرف عن الشيء استدارته إلا بالنظر واللمس. أضف إلى ذلك أنه إذا كانت الصفات الثانوية لا تنشأ أبدا إلا مرتكزة على صفات أولية، فكذلك الصفات الأولية لا تكون أبدا من غير صفات ثانوية، فنحن لا نرى في خبراتنا استدارة مجردة، بل نرى الاستدارة في أشياء مستديرة؛ أي نراها في شيء يشغل حيزا من مكان؛ وبالتالي يكون ذا لون يمكننا من رؤيته.
فلا عجب إزاء هذا كله أن نرى بين الفلاسفة أنفسهم الذين قالوا بقسمة الصفات طائفتين، أولية وثانوية، فيلسوفا مثل «لك» يلجأ إلى تفسير «الجوهر» الذي يمسك بظواهر الشيء وصفاته بحيث يجعله شيئا واحدا، يلجأ إلى تفسير هذا الجوهر بنواة مجهولة يفترض وجودها، لتكون «مصطبة»
4
ترتكز عليها الصفات. وهذه النواة المجهولة هي التي تجعل معنى لعباراتنا التي نقولها عن شيء ما؛ لأننا عندئذ إذا قلنا هذه البرتقالة مستديرة أو هذه البرتقالة صفراء، كانت الاستدارة وكان اللون الأصفر على حد سواء صفتين طرأتا على «جوهر» هو نواة خافية لا بد من افتراضها عقلا لنفهم معنى الكلام الذي نقوله.
ولكننا بهذا الرأي ننساق إلى موقف من يقولون إننا نجهل حقائق الأشياء؛ فنحن - عند هؤلاء - لا نعرف عن الشيء - جمادا كان أو حيا وعاقلا - لا نعرف عنه إلا صفاته، أما جوهره الذي تتعلق به صفاته فلا سبيل أمامنا إلى العلم به.
ولسنا في الحقيقة ندري ماذا يصنع الإنسان بهذا «الجوهر» الذي يزعمه له الفلاسفة؟ هل يزيدنا علما بهذه الزهرة أو بهذا القلم أن نعلم أن له وراء ظواهره البادية جوهرا؟ أليس قولنا إن صفات القلم التي هي أ، ب، ج، د، ترتبط معا في شيء واحد بفضل «جوهر» يوحد بينها، مساويا لقولنا إن هذه الصفات موحدة على نحو لا ندري من أمره شيئا؟ إن جهلنا واحد في كلتا الحالتين، ولا يزيل منه شيئا أن نعلم أن توحيد الصفات في الشيء الواحد يتم بفضل «جوهر» خفي مجهول. ولو كان الجوهر أصلا وصفاته فروعا طرأت عليه وكان يمكن لها ألا تطرأ لأنها ليست جزءا من طبيعته، لأمكن لنا أن نتصور كيف يكون «الجوهر» بغير صفاته؛ فحاول إن استطعت أن تزيل عن البرتقالة شكلها ولونها وطعمها وسائر صفاتها البادية للحواس، وقل لي بعد ذلك ماذا يبقى منها بين يديك؟ لا شيء، وهذا العدم هو الجوهر المزعوم.
إذن فبماذا نجيب السائل إذا سأل: ماذا يوحد ظواهر الشيء المختلفة بحيث يجعل منها شيئا واحدا؟ نجيبه بقولنا إنه لا وحدة هناك حتي نكد في السعي بحثا عنها، إنه لا وحدة هناك في شيء، وإن هو إلا وهمنا الذي يخيل إلينا أن ظواهر الشيء الواحد مرتبطة بعضها ببعض، ومصدر هذا الوهم - كما يقول هيوم - هو اعتيادنا الربط بين شكل ولون وطعم ... إلخ في لحظة إدراكية واحدة، بحيث يسهل على خيالنا بعد ذلك أن ينزلق من صفة إلى أخرى انزلاقا يجعلها تبدو جميعا وكأنما هي وحدة متماسكة.
يقول هيوم في ذلك إن الذاتية التي نخلعها على الشيء هي من خلق خيالنا وليست هي بذات وجود واقعي في الشيء نفسه؛ فحيث يسهل انتقال العقل من إحدى حالات الشيء إلى حالة أخرى، نزعم أن بين الحالتين ذاتية توحد بينهما، وأما حيث يتعذر على العقل مثل هذا الانتقال السهل فها هنا ترانا نتشكك في أن تكون بين الحالات المختلفة ذاتية توحد بينها؛ فانظر مثلا إلى كتلة من الصخر، ثم افرض أن زيادة طفيفة أضيفت إليها بحيث يتعذر عليك إدراك الفرق بين الحالتين، قبل الزيادة وبعدها، فعندئذ يسهل على العقل أن ينتقل من حالة الصخر الأولى إلى حالته الثانية؛ ولذلك نحكم بأن الصخرة التي نحن بصددها «واحدة» وذات وجود متصل، أما إذا أضيفت إلى الصخرة إضافة كبيرة ملحوظة، أو قطعت منها قطعة كبيرة ملحوظة، بحيث لا يسهل الانتقال بين الحالتين انتقالا فيه انزلاق لا تعثر فيه، لما بين الحالتين من اختلاف ظاهر؛ فعندئذ نقول عن الصخرة إنها لم تعد هي هي، وإنها فقدت ذاتيتها واستمرار وجودها.
والأمر في الجزء المضاف أو الجزء المحذوف، هل هو كبير ملحوظ، أم هو صغير غير ملحوظ، أمر نسبة؛ فقد تضيف جبلا بأسره إلى كوكب، ومع ذلك تقول إن الكوكب لم تتغير ذاتيته ولم ينقطع وجوده المستمر على حالة واحدة، بينما قد تضيف جزءا صغيرا أو تحذف جزءا صغيرا من جرم صغير فيظهر التغير ظهورا واضحا يحملنا على القول بأن ذلك الجرم لم يعد هو هو، بل أصبح شيئا آخر؛ فالأمر كله موكول إلى سهولة انتقال الفكر بين الحالة قبل حدوث التغير والحالة بعده؛ فإن كان انتقالا سهلا حكمنا بأن الشيء ما زال محتفظا بذاتيته، وإن كان متعذرا متعثرا حكمنا بزوال ذاتيته.
Bilinmeyen sayfa