Bilimsel Bir Felsefeye Doğru
نحو فلسفة علمية
Türler
الجزء
مشكلات الفلسفة التقليدية
ماذا كانت؟ وكيف صارت؟
الفصل الثامن
الحقيقة وظواهرها
1
زعم الفلاسفة - بالحق أو بالباطل - أن ما قد يظهر لنا من العالم ليس هو بحقيقة العالم؛ فهذا الذي يظهر لنا منه متغير، والحقيقة ينبغي أن تكون ثابتة؛ فها هي ذي الأشياء تظهر أمام أعيننا حينا ثم تختفي، أفيجوز أن تكون حقيقة العالم هي هذه العوابر التي لا تلبث أن تكون حتى تفنى، أم يكون الوجود الحقيقي غير هذه الظواهر العابرة؟ ذلك هو السؤال الرئيسي الذي ألقاه الفلاسفة على أنفسهم منذ كانت فلسفة.
والحقيقة أن التفرقة بين ما هو ظاهر وما هو حقيقي أمر مألوف لنا في حياتنا اليومية وفي حياتنا العلمية على السواء؛ فمن منا لم يقل لنفسه يوما عن شخص ما بأن حقيقته مختلفة عن ظاهره، فليس هو - مثلا - من الشجاعة بحيث يبدو، وليست الوطنية الصادقة جزءا من حقيقته كما يحاول أن يظهر للناس؟ إننا نعلم في الناس هذه الفوارق بين ظواهرهم وحقائقهم حتى لنستخدم كلمات خاصة - ككلمة النفاق مثلا أو كلمة الخداع - لنصف بها هذا الذي نعلمه عن الناس. وإننا لنرى بأعيننا الشمس تظهر في الشرق ثم تعبر السماء لتختفي في الغرب، لكننا بعد ذلك نتعلم أن هذا الذي نراه هو ظاهر الأمر لا حقيقته؛ إذ حقيقة الأمر هي أن الشمس ثابتة في مكانها ثباتا نسبيا، والعكس صحيح بالنسبة للأرض؛ فظاهرها ساكن لكنها في حقيقة أمرها تدور حول نفسها وتدور حول الشمس. وقد ننظر إلى كوب الماء فنراه صافيا لا شائبة فيه؛ فإذا نظرنا إليه خلال عدسة المجهر عرفناه على حقيقته، وهي أنه مليء بالأعلاق والشوائب والجراثيم أشكالا وألوانا. وقد ألمس هذه المنضدة التي أكتب عليها فأحس فيها الصلابة وتماسك الأجزاء، لكني أعلم بعد ذلك عن علماء الطبيعة أن صلابتها تلك وتماسك أجزائها إن هما إلا ظاهر الأمر لا حقيقته؛ فحقيقة أمرها هي أن قوامها ذرات كل منها مجموعة من كهارب سالبة وموجبة لا تنفك متحركة مغيرة من أوضاعها.
تلك إذن خبرة مألوفة؛ أن يكون ظاهر الشيء غير حقيقته. ولما كان من التناقض أن نحكم على الشيء الواحد بالحكمين معا في آن واحد، فنقول عنه إنه متحرك وثابت، أو إنه صاف ومشوب، فلا بد أن يكون أحد الحكمين المتناقضين باطلا ليظل الحكم الآخر صوابا ، وأي الشقين نحذف؟ إننا بالبداهة نحذف ما هو ظاهر في الشيء لنبقي على حقيقته.
غير أن ما قد وصفناه من جوانب الشيء بأنه مجرد ظواهره، إن هو إلا إدراك أدركناه كما أدركنا من الشيء جوانبه التي نقول عنها إنها حقيقته؛ فلا يكفي أن أقول عن الإدراك الأول إنه إدراك لظاهر ثم أحذفه، وعن الإدراك الثاني إنه إدراك لحقيقي ثم أبقيه، بل لا بد أن أسأل نفسي: ما الخصائص التي تميز الظاهر من الحقيقي ما دام كل منهما قد وقع لي في مجال إدراكي كزميله على حد سواء؟ ما الخصائص التي لا بد أن تتوافر فيما أدركه من الشيء لأقول عنه إنه إدراك لحقيقة الشيء؟ وبصفة عامة: ما الخصائص التي يتميز بها الحق من الباطل، أو الباطن من الظاهر؟ ذلك هو السؤال الرئيسي الذي كانت محاولات الإجابة عنه هي الشطر الأعظم من الإنتاج الفلسفي على اختلاف مذاهبه.
Bilinmeyen sayfa