Bilimsel Bir Felsefeye Doğru
نحو فلسفة علمية
Türler
وفي محاولة حل هذه المشكلة في شتى جوانبها، يختلف الفلاسفة باختلاف مذاهبهم:
فهنالك - أولا - جماعة الشكاك، وخلاصة الرأي عندهم هي أن ثمة فجوة بين خبرتي النفسية الراهنة في اللحظة الحاضرة وبين ما هو خارجها، وهي فجوة لا محيص عن قيامها بين الطرفين؛ فإحساسي بهذا القلم الذي بين أصابعي الآن هو «إحساس» - أي إنه خبرة نفسية أمارسها الآن - وليس هو القلم الخارجي الذي يشغل مكانا وتطرأ عليه الحوادث في لحظات الزمن، كل ما لدي هو «إحساس»، وليس عندي أبدا ما يبرر لي أن أقفز من هذا «الإحساس» الداخلي إلى «قلم» أقول عنه إنه موجود وجودا فعليا. وقل هذا أيضا بالنسبة لما نزعمه عن حوادث الماضي؛ فليس «الماضي» باعتباره ماضيا هو الصورة الذهنية الحاضرة أمامي الآن عنه، فكل ما لدي هو هذه الصورة، وليس عندي ما يبرر لي أن أجاوزها لأقول إن لهذه الصورة أصلا مضى زمن حدوثه. وكذلك قل في زعمنا الذي نبني عليه قوانيننا العلمية كلها، وهو أن هذه القوانين التي تصور ما قد وقع فعلا ستنطبق كذلك في المستقبل الذي لم يقع بعد. إن هذا المستقبل لم يكن في خبرتي؛ ولذلك فلا يجوز لي أن أمد حكمي إليه، وكذلك حكمي على ما يدور في أنفس الآخرين بناء على ما أشاهده من سلوكهم، فهذا السلوك الظاهر كما يقع لي في حسي هو كل ما عندي، وليس ثمة ما يبرر لي أن أجاوز نطاقه لأقول إن هنالك جسدا خارجيا يسلك هذا السلوك، فضلا عن أن أحكم أن وراء ذلك الجسد المزعوم نفسا تمارس الغضب أو الخوف أو غيرهما من الحالات النفسية. ذلك هو موقف الشكاك ؛ فهم لا يرون مبررا يجيز للإنسان أن يعدو ما عنده إلى ما ليس عنده، وأن يجاوز خبرته التي مارسها فعلا إلى ما ليس جزءا من تلك الخبرة؛ فلا حق له في الحكم بوجود المحسوسات الخارجية بناء على حسه، ولا في الحكم بوقوع حوادث الماضي بناء على خبرة نفسية راهنة، ولا في الحكم بانطباق القانون العلمي على المستقبل على أساس انطباقه الآن، ولا في الحكم بوجود أجساد الآخرين فضلا عما يدور فيها من حالات نفسية على أساس ما يظن أنه يراه من سلوكهم، إننا - من وجهة نظر الشكاك - محال علينا أن نعرف شيئا فيما عدا ما نمارسه بأنفسنا الآن ممارسة ذاتية.
إننا لا نقر الشكاك على وجهة نظرهم هذه؛ فهم يرون أن بين الذات العارفة والشيء المعروف فجوة يستحيل عبورها، وفي الوقت نفسه لا سبيل - في رأيهم - إلى معرفة الشيء المطلوب معرفته إلا إذا استطاعت الذات أن تعبر تلك الفجوة الفاصلة بينها وبين ما تريد أن تعرفه؛ نقول إننا لا نقر الشكاك على رأيهم هذا؛ لأنهم - لكي ينتهوا إلى ما انتهوا إليه - تمسكوا بالاستدلال الاستنباطي وحده منهجا لهم، على حين أن المواقف التي طبقوا عليها هذا المنهج ليست مما يعالج به؛ ذلك أنهم أرادوا في كل حالة من الحالات العقلية أن يتخذوا من الحالة النفسية الراهنة في اللحظة الحاضرة مقدمة، ثم أرادوا ألا يسلموا بشيء إلا إذا ظهر أنه نتيجة لازمة عن تلك المقدمة؛ فلدي الآن - مثلا - «إحساس» بلون معين وصلابة معينة، وهذا الإحساس هو بضاعتي النفسية كلها في هذه اللحظة القائمة، فلأتخذ منها مقدمة ثم أحاول أن أستنبط منها نتائجها، فهل ينتج عن الإحساس باللون حتما أن يكون الشيء الملون كائنا في الخارج؟ هل ينتج من الإحساس بالصلابة حتما أن يكون الشيء الصلب قائما هناك ذا وجود مستقل عني وعن إحساسي؟ إن هذه نتائج لا تلزم حتما عن المقدمة المفروضة؛ وإذن فلا مناص من التشكك في أن يكون الشيء ذو اللون والصلابة موجودا وجودا فعليا؛ أقول إن الشكاك يريدون أن يستدلوا استنباطا، وإلا فالنتائج في رأيهم لا تكون جديرة بالتسليم؛ فلماذا لا يجعلون «الاستقراء» لا الاستنباط منهجهم ما دام الموقف يتطلب ذلك؟ نعم إن «الإحساس» باللون لا يدل حتما على أن «الشيء الملون» موجود في الخارج؛ بدليل أننا كثيرا ما نتوهم وجود أشياء ثم يثبت لنا أن ليس لها وجود، ولكن لماذا نصر على حتمية ويقين حيث لا حتمية ولا يقين؟ لماذا لا نقيم الاستدلال على أساس الاحتمال المرجح ما دام الاحتمال هو كل ما أستطيعه؟ إنني إذا «أحسست» كأنما ألمس شيئا صلبا، فالأرجح جدا - كما تدل خبرتي الماضية - ألا يكون ذلك الإحساس وهما، وأن يكون الشيء الصلب هناك فعلا، وحسبي هذا الترجيح لأتصرف على أساسه؛ فليس من المنطق في شيء أن يطلب اليقين حيث لا يقين، وأن يستخدم الاستنباط وحده حيث لا يجدي الاستنباط شيئا، لكن لموقف الشكاك هذا حسنة لا نجحدها عليهم، وهي أنهم بوضعهم للمشكلة على الصورة التي وضعوها قد أبرزوا معالمها وأوضحوا جوانبها، حتى لنهتدي بها في فهم وجهات النظر الأخرى.
فمن وجهات النظر الأخرى في مشكلة الإدراك الحسي وهل يبرر لصاحبه أن يقرر وجود الشيء المدرك أو لا يبرر، وجهة نظر الحدسيين الذين يسدون الفجوة التي أشار إليها الشكاك وقالوا عنها إنها قائمة بين المدرك والمدرك، وإنها في الوقت نفسه مستحيلة العبور؛ يسد الحدسيون هذه الفجوة، فلا فاصل عندهم بين الذات المدركة والشيء المدرك بالحس؛ لأن تلك الذات إنما تمس الشيء المدرك مسا مباشرا. وقل هذا في شتى الحالات الإدراكية كلها؛ فما الذي أدراني - مثلا - أن لصديقي هذا الذي يجلس بجسده إلى جواري ذاتا كذاتي؟ لماذا لا أقول عنه إنه قطعة من اللحم متحركة لا أكثر ولا أقل؟ وما الذي أدراني بوجود ذاته مع أن الجسم وحده لا يكفي مقدمة أستدل منها وجود شيء وراءه كالذات وما إليها ؟ يجيب الشكاك أنك لا تدري من ذلك شيئا، ويجيب الحدسيون جوابا آخر؛ إذ يقولون إنك تدرك ذات صاحبك إدراكا مباشرا، وليس الأمر بحاجة إلى مقدمات نستدل منها نتائج. ما الذي أدراني أن الصورة الذهنية الحاضرة أمام ذهني الآن تشير إلى حوادث مضت؟ ها أنا ذا «أذكر» سطرا قرأته في كتاب للعقاد، لكن هذا التذكر حالة نفسية راهنة، فكيف أستدل ماضيا من حاضر؟ يجيب الشكاك أن ليس ذلك في وسعك؛ لأن المقدمة هنا لا تحتوي على النتيجة، وأما الحدسيون فجوابهم هو أنك تدرك ذلك إدراكا مباشرا، ولا مقدمة هناك ولا نتيجة. ها أنا ذا أشاهد حالات جزئية لظاهرة ما، فكيف يتاح لي أن أستدل قانونا عاما من مشاهدات كلها جزئية، ثم كيف يتاح لي أن أصرف هذا القانون إلى المستقبل على حين أنه حصيلة مشاهدات ماضية وحاضرة؟ يجيب الشكاك بأن ذلك ليس في مستطاع الإنسان، وكل قانون عام مشكوك في صوابه، وأما الحدسيون فيرون العام في الجزئي رؤية مباشرة.
وكما أننا لم نأخذ برأي الشكاك، فكذلك لا نأخذ برأي الحدسيين؛ لأنهم يحلون المشكلة بإنكارها؛ فهم في الحقيقة بمثابة من يرفض الاشتراك في اللعب بدل أن يسهموا في اللعبة بنصيب. ها هو ذا كتاب مفتوح أمامي، أنظر إليه فأراه بما خط على صفحتيه المفتوحتين من ترقيمات سوداء، وليس ينكر هذه الرؤية إلا مكابر متعنت عقيم، وإني لأرى الكتاب أمامي رؤية «مباشرة»؛ بمعنى أني أراه هو نفسه لا صورته في المرآة ولا انعكاسه على سطح المكتب الزجاجي؛ فإن كان الحدسيون يريدون هذا المعنى الدارج للرؤية المباشرة، فليس منا من ينكره عليهم، ولكننا في البحث الفلسفي للإدراك الحسي لا نقصد إلى هذا المعنى الدارج بكلمة «المباشرة»، بل نفرق بين الشيء كما هو قائم في الخارج، وبين انطباعه على الحاسة، ونسأل بعد ذلك ما الذي يتيح لي أن أنفذ خلال انطباعي الحسي - وهو كل بضاعتي - بحيث أتناول بعلمي شيئا هو أصل لهذا الانطباع الذي عندي؟ ولو أراد الحدسيون أن يلغوا وجود الانطباع الحسي ليقولوا إننا نمس الشيء المدرك مسا مباشرا، كانوا بذلك لا يتنكرون للدقة الفلسفية وحدها، بل يتنكرون كذلك لما يقرره العلم بوظائف الأعضاء. الحق أن الشكاك متطرفون في ناحية والحدسيين متطرفون في الناحية الأخرى، أولئك يقفون عند معطاهم الحسي ويرفضون أن يجاوزوه إلى ما عداه، وهؤلاء ينكرون أن يكون لهذا المعطي الحسي وجود، ولا يجعلون بينهم وبين الشيء الخارجي مثل هذه الحلقة الوسطى؛ فإن كان الشكاك قد عابهم شيء من التقتير والتزمت، فالحدسيون يعيبهم شيء من التبذير والإسراف.
وهنالك للأمر وجهة نظر ثالثة، لا هي تزيل المعطى الحسي كما يزيله الحدسيون حتى لا يكون ثمة حاجز بين الذات المدركة والشيء الخارجي المدرك، ولا هي تعترف بوجوده، لكنها - كما يفعل الشكاك - تنكر إمكان التسلل خلاله لإدراك ما هو قائم خارج حدوده، بل هي تجعل «الغائب» مساويا ل «الحاضر»؛ ففي الإدراك الحسي يكون الشيء الخارجي المدرك هو نفسه مجموعة معطياته الحسية بعد تركيبها في الداخل تركيبة عقلية؛ فلدي من هذا القلم الذي أكتب به معطي حسي عن لونه ومعطى آخر عن صلابته، ومعطى ثالث عن شكله الأسطواني المستطيل، وهكذا، وليس كل معطى من هذه المعطيات على حدة هو «القلم»، بل القلم هو مجموعة المعطيات تأتيني فرادى عن طريق الإدراك الاتصالي المباشر، فأبني منها مركبا منطقيا عن طريقه أعرف «القلم» معرفة بالوصف (باصطلاح رسل). وهكذا قل في شتى الحالات الإدراكية التي تشكك الشكاك في إمكان قيامها، فكيف يتاح لي - مثلا - أن أستخلص عبارة كلية من معلومات جزئية، مع أن هذه المعلومات الجزئية محدودة معينة، على حين أن العبارة الكلية مطلقة المعنى؟ يجيب الشكاك - كما رأيت - أن ذلك محال عليك، ونصيبك محدود بالجزئية الواحدة التي تدركها إدراكا مباشرا. ويجيب الحدسيون - كما رأيت أيضا - أن ذلك يكون بالرؤية المباشرة لما هو عام خلال الجزئي الواحد. ويجيب أصحاب هذه النظرة الثالثة - وهم فريق الظاهريين - بأن العبارة الكلية هي نفسها محصلة معطياته الحسية. كيف يجوز لي أن أستدل مشاعر صاحبي من ملامح وجهه وسلوك بدنه؟ يجيب الشكاك باستحالة ذلك، ويجيب الحدسيون بأن ذلك الإدراك للمشاعر يأتي عن طريق مباشر، شأنه شأن إدراك الملامح نفسها وحركات السلوك ذاتها، وأما الظاهريون فيجعلون إدراك المشاعر هو نفسه محصلة إدراك تغيرات الملامح وحركات السلوك؛ أي إن ذلك الإدراك هو حاصل جمع هذه الظواهر وليس إدراكا لشيء آخر يتم «خلال» هذه الظواهر. كيف يتاح لي أن أعرف شيئا عن الماضي مع أن كل ما بين يدي إدراكات حاضرة؟ جواب الشكاك أن ذلك محال، وجواب الحدسيين أن إدراك الماضي إدراك مباشر وليس «نتيجة» تستدل من الحاضر، وأما الظاهريون فلا يجعلون فرقا بين الحالتين؛ فكل قضية تقول شيئا عن الماضي يمكن ترجمتها إلى قضية أخرى مضموناتها إدراكات حاضرة. وهكذا ترى أنه بينما يقرر الشكاك قيام فجوة بين الذات المدركة والشيء المدرك، مع تقريرهم أن عبور هذه الفجوة فوق المستطاع، فإن الحدسيين والظاهريين معا يتفقون على محو هذه الفجوة وإزالتها، ثم يختلفون فيما بينهم بعد ذلك على وسيلة ذلك، أما الحدسيون فيزيلونها بإنكار وجودها بين الذات المدركة والشيء المدرك، بحيث يدرك الإنسان الشيء الذي يدركه مباشرة، وأما الظاهريون فيزيلونها بأن يجعلوا الشيء المدرك هو نفسه مجموعة معطياته.
وهنالك وجهة نظر رابعة تجعل - كما يجعل الشكاك - فجوة بين الذات المدركة والشيء المدرك، لكنها - على خلاف الشكاك - تجعل عبور هذه الفجوة في حدود المستطاع؛ فليس الشيء الخارجي - كهذا القلم مثلا - هو هو نفسه معطياته الحسية في عيني وعلى أصابعي، بل هو «شيء» قائم وحده هناك، يبعث الرسائل إلى حواسي ويعطي الحواس ما يعطيها من «معطيات»؛ أي إنه لا بد من الاعتراف بوجود مصدر للمعطيات الحسية، وذلك المصدر هو علة انبعاثها، وعلى هذا الأساس نفسه تستطيع أن تفسر الحالات الإدراكية الأخرى؛ فكيف أعلم أن لصاحبي عقلا وراء سلوكه الظاهر؟ الجواب هو أنك تعلم ذلك بعملية استدلالية تقوم على أساس «التمثيل»؛ فكما أن لي سلوكا يشبه سلوك صاحبي، وكما أن سلوكي هذا منبعث عن عقل، فلا بد كذلك أن يكون سلوك صاحبي منبعثا عن عقل وراءه. وكيف أعلم أنه قد كان هنالك ماض مع أن كل ما لدي حاضر؟ الجواب هو أن ذلك يتم عن طريق الاستدلال الاحتمالي لا اليقيني؛ فالأثر الحاضر قد يدل على حدث وقع في الماضي ، لكن الدلالة هنا ليست «استنباطية»؛ أي إن النتيجة ليست محتواة في مقدمتها، بل هي استقرائية؛ ولذلك فهي احتمالية. كيف أستدل القانون العام من مشاهدات جزئية؟ الجواب هو أن ذلك أيضا استدلال استقرائي احتمالي، فمما قد شاهدت أرجح أن حوادث المستقبل ستجيء على نفس الصورة المطردة التي شاهدتها. وليس الاستدلال هنا أيضا يقينيا؛ لأن المستقبل ليس كائنا في جوف الحاضر والماضي، بل قوامه حوادث جديدة وحالات جديدة، لكني مع ذلك أستدل الصورة التي ستقع عليها هذه الحوادث والحالات على سبيل الترجيح، اعتمادا على فرض أرجحه أيضا، وهو أن ظواهر الطبيعة تسير على اطراد.
وموقفنا نحن الوضعيين المنطقيين إزاء هذه الإجابات الأربع هو موقف يوحد بين الإجابتين الثالثة والرابعة، ويرفض الإجابتين الأولى والثانية؛ فالسؤال المطروح هو: ما الذي يبرر لي أن أحكم بناء على إدراكي الحسي أن الشيء المدرك موجود وجودا فعليا في الخارج؟
وفي اختلاف الآراء إزاء هذا السؤال، نتخذ لنا موقفا نبنيه على اللغة ودلالاتها جريا على مبدئنا الأساسي، وهو أن عمل الفلسفة تحليل للقضايا والعبارات تحليلا منطقيا؛ فكأنما السؤال يتحور بين أيدينا إلى هذه الصورة: ماذا نعني بعبارة تقرر شيئا عن مدرك حسي، كهذه العبارة مثلا: «هذا القلم أسود»؟ لو أنك ألقيت هذا السؤال على متشكك لأجابك بأنه لا يدري لهذه العبارة معنى؛ لأنه لا يستطيع الخروج إلى معناها - وهو القلم الملون - بحيث يدركه إدراكا مباشرا كما هو قائم فعلا؛ فقد تكون هذه العبارة دالة على واقعة مسماة قائمة في الخارج، وقد لا تكون دالة على شيء من هذا. ولو ألقيته على حدسي لأجابك بأن هذه العبارة تعني شيئا أدركه إدراكا مباشرا. ونحن الوضعيين المنطقيين نرفض هاتين الإجابتين؛ نرفض إجابة المتشكك لأنها خاوية لا يترتب عليها علم ولا سلوك، ونرفض إجابة الحدسي لأن صوابها ذاتي معتمد على نفسه هو وحده، فلا سبيل هناك إلى فض النزاع إذا ما نشب نزاع بينه وبين من يدعي له أنه لا يدرك هذا الذي يدركه الحدسي بحدسه إدراكا مباشرا، ونحن حريصون على أن يكون هنالك جانب موضوعي من المعرفة يلتقي عنده مختلف الأفراد حتى يمكن قيام العلم المشترك.
وماذا لو ألقيت هذا السؤال على ظاهري مذهبه أن كل ما لديه من الشيء هو معطياته الحسية؟ إنه سيجيبك بأن معني عبارتك هذه «هذا القلم أسود» هو محصلة مضامين حسية؛ فثمة ضغطة على الأصابع وثمة انطباعة على العين، وهذه الانطباعة وتلك الضغطة يمكن وصفهما في شيء من التفصيل بحيث تكون مجموعة التفصيلات - وكلها مشير إلى المعطيات الحسية - هي المعنى المراد بالعبارة المذكورة. وإلى هذه الإجابة يضيف أنصار وجهة النظر الرابعة أن هنالك أمام المعطيات الحسية التي يقول بها الظاهريون «شيئا» أعطاها، فلا معطى بغير معط، والمعطي هو «الشيء» الخارجي الذي هو السبب، والمعطيات مسبب له؛ وإذن فمعنى العبارة «هذا القلم أسود» هو عند هؤلاء: «هنالك في العالم الخارجي شيء تنبعث عنه حادثات؛ فمنها ما يمس العين فيكون لونا أسميه أسود، ومنها ما يلمس الأصابع فيحدث إحساسا بصلابة تشعرني بوجود شيء أنسب إليه اللون الأسود الذي رأته عيني.»
Bilinmeyen sayfa