Bilimsel Bir Felsefeye Doğru
نحو فلسفة علمية
Türler
مبادئ المنطق كقضايا الرياضة - وإن تكن أعم منها - يقينية وضرورية؛ لا لأن فيها سرا ولها سحرا يفتن الفلاسفة العقليين فتنة تغريهم بأن يتخذوا يقينها وضرورتها شرطا لازما لكل معرفة أخرى، بل إن يقينها وضرورتها ناشئان عن كونهما صورة فارغة من الفحوى؛ فهي تحصيل حاصل يصدق على كل شيء في الوجود ولا يعني شيئا بذاته، وما ليس يعني شيئا بذاته لا يقول شيئا؛ قولك عن الدنيا «إنها إما أن تمطر غدا أو لا تمطر» قول يقيني ضروري الصدق لسبب واحد هو أنه لا يقول شيئا عن الغد.
الفصل السابع
علمنا بالعالم
1
في الرياضة وما يدور مدارها من أنواع التفكير الاستنباطي، لا يحتاج صدق القضية أكثر من أن يكون تكوينها خاليا من التناقض، فلا تناقض بين أجزائها ولا تناقض بينها وبين المقدمات التي استنبطت منها؛ وإذن فلا حاجة بك إلى مجاوزة النسق الرمزي نفسه إلى حيث العالم الخارجي لتعلم إن كانت القضية الرياضية صادقة أو غير صادقة؛ أي إنه لا حاجة بك إلى مجاوزة البناء اللفظي أو الرمزي إلى ما عداه؛ ومن ثم قيل عن الرياضة إن صدقها ضروري، وإن المعرفة بذلك الصدق قبلية.
وأما إن كانت القضية التي بين أيدينا تنبئ عن واقعة من وقائع العالم الخارجي، كان حتما لمن أراد أن يراجع صدقها أن يجاوز حدودها اللفظية إلى حيث الواقعة التي تشير إليها تلك القضية؛ أي إنه لا بد في هذه الحالة من مخرج نخرج منه إلى حيث المصدر الذي منه استقينا هذا العلم الذي جئنا الآن نسلكه في العبارة التي نقولها والتي هي موضع التحقيق ؛ فلئن كان اتساق أجزاء التركيب الرمزي بعضها مع بعض وخلوها من التناقض وحده كافيا للحكم بالصدق على قضايا الرياضة، ففي قضايا العلوم الطبيعية لا يكفي ذلك ، ولا بد من الاحتكام إلى شيء آخر خارج حدود التركيب الرمزي أو التركيب اللغوي، لنقابل بينه وبين الصورة التي يصورها هذا التركيب؛ فإن تطابقا، أو كانت بينهما صلة كائنة ما كانت بحيث تجعل التركيب الرمزي رمزا يصلح أن ينوب عن الشيء أو الواقعة التي كان الرمز رمزا لها، صح لنا عندئذ أن نقول عن التركيب الرمزي أو اللغوي إنه عبارة صادقة.
وهذه العودة بالعبارة إلى ما يقابلها من وقائع العالم تقتضي أن تكون العبارة مما يتحدث عن جزئية واحدة من حيث علاقتها بجزئية أخرى أو أكثر؛ ذلك لأن العالم الخارجي قوامه جزئيات، وما دمت تريد أن تبحث للعبارة عن أصل يطابقها في ذلك العالم، فلا بد أن يكون بين الجانبين هذا التقابل الذي يجعل كل اسم وارد في العبارة مقابلا لجزئية واحدة من جزئيات العالم، وأن يكون في العبارة من الألفاظ الدالة على علاقات ما يقابل العلاقات القائمة في الخارج بين الجزئيات والتي تربطها معا في واقعة واحدة.
ويندر جدا أن يجيء كلام الناس في هذه الصورة الجزئية التي تجعل العبارة الواحدة منه مقابلة لواقعة واحدة معينة من وقائع العالم الخارجي، بل إن الناس يتحدثون بعبارات عامة تتناول أنواعا بأسرها من الأشياء والكائنات جملة واحدة، فما أيسر أن يقال - مثلا - «الرياح تهب على مصر من الشمال أحيانا»، و«القطن ينضج في الخريف دائما»، و«البرتقال أصفر»، لكن هذه العبارات وأمثالها إنما تتحدث عن مجموعات بأسرها من الأشياء؛ فالعبارة الأولى لا تقول إن الرياح التي تهب هذه اللحظة آتية من الشمال، بل تعمم القول لتجعله شاملا لحالات كثيرة. والعبارة الثانية لا تقول هذه شجرة قطن، وهي ناضجة الثمر، ونضجها تم اليوم الذي هو من أيام الخريف، بل تعمم القول ليشمل أشجار القطن كلها في كل فصل من فصول الخريف. والعبارة الثالثة لا تقول هذه البرتقالة التي أمسكها الآن بيدي صفراء، بل تعمم القول ليشمل البرتقال كله. هكذا يتحدث الناس، وهكذا تجيء عبارات العلوم الطبيعية عامة لا تقتصر الواحدة منها على جزئية واحدة؛ فسبيلك إلى تحقيقها - إذن - لا بد أن تبدأ بخطوة تحليلية ترد العبارة العامة إلى قائمة من جمل أولية ذرية تتناول كل منها واقعة ذرية واحدة؛ حتى تستطيع أن تقابل بين الجملة من ناحية وبين الواقعة التي ترمز إليها الجملة من ناحية أخرى؛ ومعني ذلك أن محك الصدق في العبارة التي موضوعها عام هو إمكان ردها إلى عبارة موضوعها جزئي، ثم المقابلة بعدئذ بين هذه الأخيرة وما يقابلها من أجزاء الطبيعة.
والجملة الأولية الذرية التي ينتهي إليها تحليلك بحيث تتمكن بعدئذ من مراجعة القول على وقائع الطبيعة، شرطها - بطبيعة الحال - أن تكون مكتفية بذاتها ولا تكون نتيجة مستدلة من جملة أخرى؛ لأنها لو كانت نتيجة مستنبطة من سواها، كان صدقها متوقفا على صدق ذلك الأصل الذي استنبطت منه؛ فكل ما تعتمد عليه الجملة الأولية الذرية في صدقها هو أن تكون لدى قائلها خبرة حسية مباشرة تنطبع بها حواسه ساعة نطقه بالجملة؛ فها أنا ذا أنظر إلى الورقة التي أمامي وأقول: «هذه بقعة بيضاء.» فيكون قولي هذا جملة أولية ذرية عمادها في الصدق هو هذا الانطباع اللوني المباشر الذي أخبره الآن ببصري. وهكذا نريد لكل جملة عامة يقولها قائل ويزعم لها الصدق، أن تكون مما يمكن تحويله إلى مواقف خبرية مباشرة على هذا النحو، بأن نرتد بها إلى قضايا أولية ذرية كل قضية منها مكتفية بذاتها في تحقيق صدقها؛ لأنها لا تتطلب من أجل التحقيق أكثر من مثل هذه الخبرة الحسية المباشرة. وهنا يجمل بنا أن نذكرك بطبيعة القضية في الرياضة من حيث إن صدقها دائما متوقف على صدق المقدمة التي منها استنبطت، وهذه المقدمة بدورها متوقفة في صدقها على صدق مقدمتها، وهكذا دواليك حتى تنتهي إلى قمة السلم، وهي المسلمات التي يطلب التسليم بها من غير رجوع إلى خبرات الحواس؛ لتعلم أن صدق القضية الرياضية ناتج دائما من صدق قضية أخرى، أما صدق القضية الإخبارية فهو متوقف في النهاية على الإشارة إلى موقف فيه حالة إدراك حسي مباشر.
وشرط آخر ينبغي أن يتوافر للقضية الذرية التي ينتهي إليها تحليلك - فوق اكتفائها بذاتها في الصدق - وهو ألا تكون مما يمكن أن تجد له نقيضا ينقضه وينفيه؛ وذلك لأنها ما دامت تشير إلى خبرة حسية جزئية مباشرة، كانطباع عيني بهذا اللون الأبيض الذي أمامي الآن، فمحال أن يكون لهذه الخبرة نقيض ممكن؛ فحتى لو نظر ناظر آخر إلى البقعة اللونية نفسها وقال إنها خضراء، لما كان قوله نافيا لخبرتي الحسية؛ لأننا عندئذ نكون بمثابة شخصين، يقول أحدهما إنه يشعر بألم في ضرسه ويقول الآخر إنه لا يشعر بمثل ذلك الألم، هذا إلى أن سائر خبراتي الحسية في تلك اللحظة التي أرى فيها البقعة البيضاء لا يمكن أن تنقض خبرتي باللون عندئذ؛ فقد أكون في اللحظة نفسها لامسا للقلم بأصابعي وشاعرا بصلابته، وشاما لرائحة الطعام المنبعثة من غرفة مجاورة، وسامعا لصوت العربات في الطريق، لكن لا لمس القلم ولا شم رائحة الطعام ولا سمع أصوات المارة بذي شأن في إدراكي بالعين للبقعة اللونية البيضاء. وهكذا تكون الخبرة الحسية المباشرة مستحيلة التكذيب على أساس خبراتي الأخرى، أو على أساس خبرات الآخرين.
Bilinmeyen sayfa