Bilimsel Bir Felsefeye Doğru
نحو فلسفة علمية
Türler
نحو فلسفة علمية
نحو فلسفة علمية
تأليف
زكي نجيب محمود
مقدمة
هذا عصر يسوده العلم، ليس في ذلك من شك؛ فما أحسب أن تاريخ الفكر في اتصال سيره وتتابع حلقاته قد شهد فجوة بين مرحلة والمرحلة التي تليها كالفجوة التي تفصل هذه المائة العام الأخيرة عما سبقها؛ والفرق بينها وبين ما سبقها هو قبل كل شيء فرق في نظرة الإنسان العلمية إلى العالم بعد أن لم تكن كذلك؛ ولست أعني بالنظرة العلمية التي تميز عصرنا هذا من شتى العصور السوالف مجرد الزيادة في الحصيلة العلمية، بل أعني - بالإضافة إلى ذلك - أن الإنسان لم يحدث له قط في عصور التاريخ الماضية أن اعتمد على العلم في حياته الفردية والاجتماعية بمثل ما يعتمد اليوم؛ فليس في حياته الفردية جانب من عمل أو من لهو يخلو من استخدامه لهذه الآلة العلمية أو تلك، وليس في حياته الاجتماعية مشكلة لم يعد يلجأ في حلها إلى شيء من العلم قليل أو كثير.
ولما كان محالا على الفلسفة في أي عصر من عصورها أن تنسلخ عن سائر الحياة العقلية الشائعة في ذلك العصر، كان محالا عليها كذلك أن تقترف في عصرنا من الإثم ما لم تقترفه طوال تاريخها الماضي؛ كانت المشكلة الأخلاقية عند اليونان وكيف ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان ليبلغ كماله، هي أول ما يشغل الناس من مشكلات، فجاء فلاسفتهم يعزفون النغمة نفسها، فيتأملون تارة ويحللون أخرى، ويجعلون موضوعهم الطبيعة مرة والإنسان مرة، ولكنهم كانوا في كل تارة وفي كل مرة يستهدفون مبدأ تطمئن له عقولهم ونفوسهم من حيث ما ينبغي أن تكون عليه حياة الإنسان لتكون حياة مثلى؛ فلسنا نخطئ إذا قلنا عن فلسفة اليونان بصفة عامة إنها كانت تخدم الأخلاق.
ثم جاءت العصور الوسطى في أوروبا المسيحية وفي الشرق الإسلامي على السواء، فأصبحت مشكلة الناس الرئيسية عندئذ هي العقيدة الدينية كما جاء بها الوحي؛ كيف يفهمونها بحيث يطمئنون إلى سلامة فهمهم، وكيف يؤيدونها بحيث ترضى عقولهم عما قد رضيت به قلوبهم. ولم يكن بد للفلسفة أن تساير الناس في اهتمامهم الفكري، فطفقت تبحث لهم ما أرادوا البحث فيه، فتحاول أن تحلل لهم أصول عقيدتهم لتلقي لهم الضوء على غوامضها، وأن تؤيد لهم تلك العقيدة بمبادئ عقلية يستعيرونها من الماضي أو يستخرجونها من رءوسهم؛ وإذن فلا عجب أن قيل عن الفلسفة عندئذ إنها وصيفة الدين.
وجاء عصرنا الحديث بعلمه الطبيعي الذي أنتج للإنسان في ثلاثة قرون أضعاف أضعاف ما قد عرفه الإنسان عن الطبيعة في عشرات القرون الماضية. ولبث هذا العلم الطبيعي أول الأمر مقصورا على جماعة العلماء، لا يكاد الناس يحسونه في حياتهم الجارية، لكنه في القرن الأخير قد جاوز بنتائجه حدود العلماء إلى حيث الحياة العامة والحياة الخاصة على السواء، فماذا تصنع الفلسفة في عصر يسوده العلم على هذا النحو سوى أن تخدم سيد العصر كما كان شأنها في كل عصر؟ ماذا تصنع سوى أن تخدم العلم في عصر العلم كما قد خدمت الأخلاق في عصر الأخلاق والدين في عصر الدين؟
ولست أعني بطبيعة الحال أننا نعيش اليوم بغير أخلاق ودين؛ لأنني على وعي تام بما يلزم الإنسان في حياته من هذه الجوانب الثلاثة مجتمعة؛ فما مر على إنسان واحد يوم واحد استطاع فيه أن يعيش بغير إدراك وبغير وجدان وبغير سلوك؛ وهذا معناه أن لا حياة بغير علم وبغير دين وبغير أخلاق، ولكن لا العلم نفسه ولا الدين نفسه ولا السلوك نفسه فلسفة، إنما الفلسفة صميم عملها هي تحليل هذا أو ذلك تحليلا يستخرج المبادئ المطمورة في لفائفه؛ فإذا كان العصر المعين ينصرف بأكثر اهتمامه إلى الدين - مثلا - جاءت فلسفة ذلك العصر منصرفة باهتمامها هي الأخرى إلى الدين، ولكنها لا تضيف نصوصا جديدة إلى نصوصه؛ أي إنها لا تضيف اعتقادا جديدا إلى اعتقاد، بل تحلل الاعتقاد الديني نفسه كما هو قائم في نصوصه تحليلا يرده إلى مبادئ منطوية فيه، فتصبح تلك المبادئ واضحة جلية بعد أن كانت متضمنة خفية، فيزداد المعتقد فهما لعقيدته؛ وعلى هذا النحو نفسه تنصرف الفلسفة إلى العلم في هذا العصر الذي يسوده العلم؛ فهي لا تضيف علما جديدا إلى علم، ولكنها تحلل عبارات العلم نفسها تحليلا يستخرج ما تنطوي عليه من مبادئ أو فروض.
Bilinmeyen sayfa