Bilimsel Bir Felsefeye Doğru
نحو فلسفة علمية
Türler
الكلمات التي نتحدث عنها الآن هي رموز اللغة أو ما يقوم مقامها، حين لا يقصد بها أبدا أن تشير فيما تشير إليه إلى شيء مما يختلط بالجانب الوجداني من حياة الإنسان، فهكذا يراد للكلمات أن تخلو من شحنتها العاطفية الشعورية كلها حين يراد لها أن تكون أداة في نقل المعرفة العلمية، أو المعرفة الإخبارية التجريبية بمعنى أوسع، وفي هذا المجال العلمي وحده نسوق الآن الحديث.
فإذا نظرنا إلى الكلمات هذه النظرة التي نريدها، لم تكن إلا أحداثا كأي أحداث أخرى مما يقع في عالم الحس؛ فالكلمة المسموعة هي صوت كأي صوت آخر، والكلمة المكتوبة هي قطرة من مداد أو من غير المداد من المواد التي قد تكون الكلمة مكتوبة بها؛ الكلمة - مسموعة أو مرئية - حدث يحدث في الطبيعة كأي حدث آخر، وتكون وسيلة إدراكها هي الحواس التي هي نفسها وسيلة إدراك سائر أحداث الطبيعة، فليس للكلمة المعينة «سر» إلا ما يضيفه إليها الإنسان باتفاقه واختياره.
على أن الكلمة «الواحدة» ليست في الحقيقة «واحدة» إلا على سبيل التجوز؛ فكلمة «قلم» - مثلا - وهي منطوقة إنما تخرج من فم المتكلم موجات من هواء، وعندئذ تكون كأي موجات هوائية أخرى، كائنا فيزيقيا تقاس طول موجاته ويوزن الهواء المكون له، ويحلل إلى عناصره الذي هو مركب منها وهكذا، ثم تطرق الكلمة أذن سامعها، وعندئذ تتحول إلى كائن آخر ذي طبيعة أخرى؛ لأنها عندئذ ستكون اهتزازا - لا في الهواء الخارجي - بل في أسلاك العصب وذرات المخ، إنها عندئذ فقط تكون «صوتا»؛ لأن الهواء الخارجي لا يكون له صوت حتى ينتقل إلى حركة في الأعصاب وخلايا المخ؛ فالكلمة باعتبارها صوتا مسموعا هي في الحقيقة حدث كغيره من الأحداث التي تطرأ على أجهزة الجسم؛ وبالتالي فهي إن اتخذت موضوعا للبحث كانت من شأن علماء وظائف الأعضاء. والمهم هنا هو أن نشير إلى الفارق الكبير من حيث طبيعة التكوين بين الكلمة وهي «منطوقة» وبينها وهي «مسموعة»؛ فالحوادث الفيزيقية التي تحدث في العالم الطبيعي حين ينطق الناطق بكلمة «قلم»، ليست هي بذاتها الحوادث الفسيولوجية التي تحدث في الجهاز العصبي حين يسمع السامع صوت هذه الكلمة.
أما إذا كتبت على الورق كلمة «قلم» كنت في مجال آخر مختلف عن المجالين السابقين كل الاختلاف؛ لأنك عندئذ تكون بصدد علامة من المداد، وليست ذرات المداد المتجمعة على الورق في كلمة «قلم» شبيهة أدنى شبه باهتزاز الهواء في حالة نطق الكلمة أو بحركة الأعصاب في حالة سمعها؛ وإذن فاللفظة «المكتوبة» نوع من الحوادث الفيزيقية يقع في عالم الطبيعة كأشباهه من الحوادث التي تنتج عن تجمعات للذرات المادية في هذا الجسم أو ذاك؛ فإذا وقعت عليها عين الرائي بحيث أصبحت «مقروءة» نشأت مجموعة أخرى من الحوادث في الجهاز العصبي وذرات المخ، بادئة هذه المرة من العين؛ فللكلمة «الواحدة» - إذن - أربع صور، وكل صورة منها مؤلفة من مجموعة معينة من حوادث الطبيعة أو الجهاز العصبي. على أن هذه المجموعات الأربع تختلف إحداها عن الأخرى اختلافا بعيدا، بحيث لا يمكن أن يقال عن إحداها إنها هي نفسها الأخرى إلا على سبيل التجوز وبمقتضى اتفاق خاص بين من يستخدمون هذه الرموز في التفاهم، وإلا فهل تحتم البداهة أن يكون الهواء المتموج عند نطق كلمة «قلم» مقابلا لقطرة المداد التي أخط بها على الورق كلمة «قلم» بهذه الصورة المعينة؟ ولكن التلازم الشديد المطرد بين «نطق» الكلمة و«كتابتها» أو بين «سمعها» و«رؤيتها»، قمين أن يخدعنا عن حقيقة الموقف بحيث نحسب أنها شيء واحد بعينه لا يتغير؛ فهو هو الكلمة الفلانية المعينة سواء جاءت نطقا أو ترقيما على الورق، سمعا بالأذن أو رؤية بالعين.
قارن بين الكلمة «الواحدة» في حالتي النطق بها وكتابتها، تجدها في الحالة الأولى مجموعة من حوادث (اهتزازات في الهواء) تتعاقب على فترة معينة من الزمن، بحيث إذا حدث آخر جزء من الكلمة كان أولها حدثا ماضيا، وأما الكلمة في حالة الكتابة فهي مجموعة من ذرات مادية تجمعت في حيز معين من المكان؛ فلئن كان «الزمن» جانبا هاما في الكلمة المنطوقة ف «المكان» جانب هام في الكلمة المكتوبة؛ الكلمة المنطوقة لا تكون أبدا قائمة معا في لحظة واحدة، وأما الكلمة المكتوبة فتكون كلها قائمة معا في حيز مكاني واحد. العلاقة الكائنة بين أجزاء الكلمة المنطوقة هي علاقتا «قبل» و«بعد»، فتقول عن حدث من حوادثها إنه يقع في «الزمن» قبل حدث آخر أو بعده، وأما في الكلمة المكتوبة فالعلاقات بين أجزائها مكانية، فتقول عن جزء إنه «على يمين» جزء آخر أو «على يساره» أو «فوقه» أو «تحته». أرأيت إذن أن الكلمة المنطوقة كائن طبيعي يختلف عن الكلمة المكتوبة التي هي أيضا كائن طبيعي؟
وأمضي في المقارنة بينهما ليزداد الفرق وضوحا إذ يزداد اتساعا؛ فقد كانت الكلمة المكتوبة (إلى ما قبل التسجيل الصوتي) أبقى وأدوم وأوسع انتشارا من الكلمة المنطوقة؛ لأن الأولى حالة في حيز من مكان على قطعة من الورق مثلا، فستبقى ما بقيت هذه القطعة من الورق، ثم هي ستتسع نطاقا كلما انتقلت قطعة الورق من مكان إلى مكان، وأما الكلمة المنطوقة فمحدودة الزمن لأنها تزول بزوال فترة نطقها، ومحدودة الانتشار لأنها مقيدة بقدرة الأذن على السمع، ولكن جاء التسجيل الصوتي - وهو في الحقيقة ضرب من الكتابة بوجه من وجوهها؛ لأنه تخطيط على شريط - ففقدت الكلمة المكتوبة شيئا من أهميتها بالنسبة إلى الكلمة المنطوقة؛ إذ يمكن للكلمة المنطوقة الآن أن تسمع في أرجاء العالم كله دفعة واحدة، وأن تبقى مسجلة على شريطها أمدا طويلا، ومن يدري؟ فلعل يوما يجيء، حيث تسجل الوثائق والمعاهدات على أشرطة وأسطوانات، وتكون التوقيعات فيها صوتية، فينطق كل متعاقد باسمه، وربما جاء وقت قريب يسجل فيه المؤلف أفكاره لا بالكتابة على الورق، بل بالنطق أمام جهاز التسجيل الصوتي. إننا نقول هذا كله للتفرقة بين الكلمة المنطوقة والكلمة المكتوبة، ويمكن أن نقول شيئا كهذا للتفرقة بين مجموعة الحوادث التي تكون الكلمة وهي مسموعة وبينها وهي مقروءة، نقول هذا كله لننتهي بالقارئ إلى التفرقة الواضحة بين الكلمة «الواحدة» في صورها المختلفة ليعلم أنها ليست في الحقيقة «واحدة».
1
على أن هذه الوحدانية المزعومة للكلمة «الواحدة» تمحي حتى في كل صورة على حدة من الصور الأربع التي ذكرناها؛ أعني أننا لو أمعنا النظر في الكلمة وهي منطوقة فحسب، وجدناها أبعد ما تكون عن «الكلمة الواحدة». وخذ مرة أخرى كلمة «قلم» مثلا؛ فأولا ليست هي حدثا واحدا بسيطا يعز على التحليل الطبيعي إلى ما هو أبسط منه، بل النطق بهذه الكلمة مرة واحدة هو في الحقيقة مجموعة من حركات يهتز بها اللسان والحلق والأحبال الصوتية، هي مجموعة من حركات متتابعة كما تكون القفزة - مثلا - مجموعة من حركات، وكما يكون المشي مجموعة من حركات، والأكل مجموعة من حركات، وهكذا.
هذا، والكلمة منطوقة مرة واحدة، ولكن الإنسان الواحد ينطق بها مرات عدة، دع عنك الحالات التي لا تحصى حين ينطق بها سائر الأفراد، أتقول مثلا إن هنالك في عالم الحوادث قفزة واحدة أو مشية واحدة أو أكلة واحدة، ما دامت مجموعات الحوادث التي تتكون منها كل قفزة أو كل مشية أو كل أكلة شبيهة بمجموعات الحوادث التي تتكون منها سائر القفزات والمشيات والأكلات؟ إنني أجمع حالات القفز كلها في كلمة واحدة على سبيل التجوز والتيسير، وإلا فكل حالة فردية من حالات القفز مجموعة من الحركات قائمة بذاتها، قد تختلف، بل لا بد أن تختلف قليلا أو كثيرا عن حالات القفز الأخرى؛ قل هذا في كل فعل، بما في ذلك الأفعال التي هي حالات النطق بكلمة معينة، كالنطق بكلمة «قلم»، فها هنا أيضا تكون كل حالة من حالات النطق مجموعة حركية قائمة بذاتها، قد تختلف، بل لا بد أن تختلف قليلا أو كثيرا عن حالات النطق بها في لحظات أخرى؛ فنحن إذ نقول إن الكلمة المنطوقة «قلم» كلمة «واحدة»، فإنما نعني في الحقيقة أنها أسرة كبيرة من أفراد متشابهة؛ فوحدانيتها أمر اتفاقي نراعي فيه تيسير التفاهم والتعامل، ولا نراعي فيه دقة التحليل.
وكما أن اللفظة الواحدة «قلم» هي في الحقيقة ملايين الحالات من اللفظ المنطوق ليست هي بالبداهة متطابقة تطابقا ذاتيا، بل هي متشابهة تشابها أجاز لنا أن نقول عنها إنها لفظة «واحدة»، فكذلك قل في الحالات الثلاثة الأخرى للكلمة، أعني حالات «سمعها» و«كتابتها» و«قراءتها»؛ إذ إنها في كل واحدة من هذه الحالات الثلاث ليست «واحدة »، بل هي ملايين الصور التي تتشابه؛ فأنت تسمع كلمة «قلم» سمعا يختلف كل مرة باختلاف طريقة نطقها، ومع ذلك تراك تتجاهل الفوارق بين هذه المسموعات المختلفة، تتجاهل الفوارق لأن أوجه الشبه أقوى من أوجه الاختلاف. وتعد هذه المسموعات الكثيرة المختلفة كأنما هي حالة سمعية واحدة، هي ما تسميه لفظة «قلم». وقل هذا بعينه في حالتي الكتابة والقراءة؛ فملايين الناس يكتبون كلمة «قلم» على صور تعد بالملايين، لاختلاف الناس في طريقة الكتابة حتى في اللغة الواحدة، اختلافا يمكن الخبراء من معرفة الكاتب بطريقة كتابته كما يعرفونه بملامح وجهه وبصمات أصابعه، ولكن أوجه الشبه بين هذه الصور الكثيرة لكتابة الكلمة أقوى من أوجه الاختلاف؛ ولذلك نعد هذه الصور كلها وكأنما هي صورة واحدة لكلمة واحدة.
Bilinmeyen sayfa