من أن يكون متصلا ، وقد بينا أن الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لصح دخوله ، وذكرنا الخلاف فيه ، ودللنا على الصحيح منه.
فأما استثناء الشيء من غير جنسه ، فالأولى أن يكون مجازا ومعدولا به عن الأصل ؛ لأن من حق الاستثناء أن يخرج من الكلام ما يتناوله اللفظ دون المعنى ، فإذا أخرج مالا يتناوله اللفظ ، فيجب أن يكون مجازا ، كاستثناء الدرهم من الدنانير ، وقول الشاعر :
«وما بالربع من أحد إلا أوارى» (1)
وإنما جاز استثناء الدرهم من الدنانير على المعنى لا على اللفظ ، لأنه لما كان الغرض بالإقرار إثبات المال ، وكان الدنانير كالدراهم في أنها مال ، جاز استثناؤها منها.
والشاعر أراد ما بالربع من حال ولا ثاو به ، فاستثنى الأواري على هذا المعنى.
فأما قوله تعالى : ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون (30) إلا إبليس ) (2)؛ فإنما جاز استثناؤه من الملائكة وإن لم يكن منهم ، من حيث كان مأمورا بالسجود كما أمروا به ، فكأنه تعالى قال : فسجد المأمورون بالسجود إلا إبليس.
فأما قوله تعالى : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ) (3) ؛ فالتأويل المعروف أن «إلا» هيهنا ليست استثناء ، وإنما هي بمعنى لكن ، فكأنه تعالى قال : لكن من قتله خطأ فحكمه كذا وكذا .
وقد ذكر أبو هاشم على مذهبه وجها قريبا ، وهو أن المراد أن مع كونه مؤمنا يقع منه الخطأ ، ولا يقع منه العمد.
ويمكن وجه آخر : وهو أنه ليس له أن يقتل من يعلمه مؤمنا أو يظنه كذلك
Sayfa 148