208

بينا ، فما بالنا نميز الفصل القليل ولا نميز الكثير ، ويرتفع الالتباس علينا مع التفاوت ولا يرتفع مع التفاوت.

والتعلل منهم : بأن الفرق بين القرآن وأفصح كلام العرب إنما يتجلى لمتقدمي الفحصاء الذين تحدوا به ، باطل ؛ لأنه لو وقف ذلك عليهم مع التفاوت الشديد لوقف عليه ما هو دونه ، وقد علمنا خلاف ذلك.

فأما من لعله ينكر العلم بالفرق بين أشعار الجاهلية والمحدثين ، فانا نقول له : ما تنكر أن يخفى من ادعيت أنك لا تعلمه على العوام ومن لا دربة له بشيء من الفصاحة ، كالأعاجم وغيرهم ، وإنما اعتبرنا بمن يظهر له أحد الآمرين ويخفى عليه الآخر ، وبين ما ظهر له الفرق فيه دون ما التبس عليه أمره ، وهم كثير.

فإن قيل : بينوا كيفية مذهبكم في الصرفة.

قلنا : الذي نذهب إليه أن الله تعالى صرف العرب عن أن يأتوا من الكلام بما يساوي أو يضاهي القرآن في فصاحته وطريقته ونظمه ، بأن سلب كل من رام المعارضة العلوم التي يتأتي ذلك بها ؛ فإن العلوم التي بها يمكن ذلك ضرورية من فعله تعالى فينا بمجرى العادة.

وهذه الجملة إنما ينكشف بأن يدل على أن التحدي وقع بالفصاحة بالطريقة في النظم ، وأنهم لو عارضوه بشعر منظوم لم يكونوا فاعلين ما دعوا إليه ، وأن يدل على اختصاص القرآن بطريقة في النظم مخالفة لنظوم كل كلامهم ، وعلى أن القوم لو لم يصرفوا لعارضوا.

والذي يدل على الأول : أنه صلى الله عليه وآلهوسلم أطلق التحدي وأرسله ، فيجب أن يكون إنما اطلق تعويلا على عادة القوم في تحدي بعضهم بعضا ، فإنها جرت باعتبار الفصاحة وطريقة النظم ، ولهذا ما كان يتحدي الخطيب الشاعر ولا الشاعر الخطيب ، وأنهم ما كانوا يرتضون في معارضة الشعر بمثله إلا بالمساواة في عروضه وقافيته وحركة قافيته ، ولو شك القوم في مراده بالتحدي لاستفهموه ، وما رأيناهم فعلوا ؛ لأنهم فهموا أنه صلى الله عليه وآلهوسلم جرى فيه على عاداتهم.

Sayfa 326