يكاد عضب اللحاظ منه ... بغير ريبٍ يفري حشاهُ
القاضي إسماعيل بن عبد الحق الحجازي هذا القاضي قضي له بالأدب الوافر، من منذ طلع في مهده طلوع البدر السافر. فعرف رشده قبل أوانه، وهكذا الكتاب يدرى من عنوانه.
وأبوه في الصنعة من الفحول السبق، له في الريحانة ذكر أطيب من المسك وأعبق.
وهو فاح فوحته، وجاء جيئته، وراح روحته. وحذا في الغراميات حذوه، فلم يبق من نار وجده ولا جذوة. فهو مخمر الطينة بالفضل المحض، مجبول الفطرة على الأدب الغض. مجده فوق الامتداح، وزنده يضيء قبل الاقتداح.
ولقد برز كل التبريز، وما كل قاضٍ قاضي تبريز. فجاء بأفانين من غزلياته، تهزأ برونق الصدغ في لباته.
وأطرب بألحانه، ولا إطراب الخمر بحانه. وله أغانٍ تكاد بلا مضارب تجاوبها الأوتار، ولم يبق قلبٌ أدرك مغناها إلا وثار.
وكانت أريحيات غرامه تستفزه، وصبوبات مدامه تستهزه. فلا يزال هائمًا بغزال، ولا يريم من عشق ريم. وشعره الذي تعلق به قلوب الأهوا، يعرب عن حاله إعراب الدمع عن مكتوم سر الهوى. وهو سائرٌ مدون، والجوهر المثمن منه أدون.
فدونك ما هو ألطف من العتاب، بين الصحاب، وأوقع من الرواح، ممزوجًا بماء السحاب.
فمنه قوله:
لو أن بالعذَّال ما بي ... ما عنَّفوني بالتَّصابي
كلا ولو ذاقوا الهوى ... مثلي لما ملكوا خطابي
ويلاه من بعد المزا ... رِ فإنه شرُّ العقابِ
قسمًا بخلوات الحبي ... ب وطيب وقفات العتابِ
وتذلُّلي يوم النَّوى ... لمنيع ذيَّاك الجنابِ
وبوقفتي أشكو هوا ... ي له بألفاظٍ عذابِ
أبكي وأسرق أدمعي ... خوف العواذل في ثيابي
ما للمحبِّ أشدُّ من ... نار التَّباعد من عذابِ
بأبي غزالٌ ليِّن ال ... أعطاف معسول الرُّضابِ
ميَّاس غصن قوامه ... يزري ببانات الرَّوابي
ريَّان من ماء الصِّبا ... سكران من خمر الشَّبابِ
جعل التَّجافي دأبه ... وجعلته وهواه دابي
قال العواذل عندما ... أبصرن بالأشواق ما بي
قد كنت من أهل الفصا ... حة لا تحول عن الصَّوابِ
فأجبتهم والقلب من ... نار الصَّبابة في التهابِ
الحبُّ قد أعيى فصي ... ح القول عن ردِّ الجوابِ
وتراه إن حضر الحبي ... ب لديه يأخذ في اضطراب
وقوله:
أجرني من صدودك بعد وعدك ... وخلِّص مهجتي من نار بعدكْ
وخصِّصني برقٍّ دون عتقٍ ... لأدعى بين أقوامي بعبدكْ
وقصِّر طول ليلات التنائي ... وما لاقيت من أيَّام صدِّكْ
ومعصية العذول ومن نهاني ... ضلالًا في الهوى عن حفظ ودِّكْ
وأنفاسٍ أصعِّدها إذا ما ... ذكرتك والدَّياجي مثل جعدكْ
لأنت لديَّ مجتمع الأماني ... وأكثر ما وددت بقاء ودِّكْ
وقد عبث الهوى بغصون قلبي ... كما عبث الدَّلال بغصن قدِّكْ
وقوله:
ولمَّا حدا الحادون بالبين والنَّوى ... وشبَّ لنار الاشتياق وقودُ
ولم يبق لي من منجدٍ غير زفرةٍ ... ودمعٍ وأشواقٍ عليَّ تزيدُ
طلبت من القلب اصطبارًا فقال لي ... وللشَّوق عندي مبدئٌ ومعيدُ
لقد كنت صبًّا والدِّيار قريبةٌ ... فكيف وعهد الدَّار عنك بعيدُ
وقوله:
وربَّ عتابٍ بيننا جرَّه الهوى ... شهيٍّ بألفاظٍ أرقَّ من السِّحرِ
وأحلى من الماء الزُّلال على الظَّما ... وألطف من مرِّ النَّسيم إذا يسري
عتابٌ سرقناه على غفلة النَّوى ... وقد طرفت أيدي الهوى أعين الدَّهرِ
وقد أخذتنا نشوةٌ من حديثه ... كأنَّا تعاطينا سلافًا من الخمرِ
ورحنا بحالٍ ترتضيها نفوسنا ... وها أنا بين الصَّحو ما زلت والسُّكرِ
وقوله:
1 / 16