إن هذه التعابير المختلفة : ( لعلكم تعقلون ، أفلا تعقلون ، إن كنتم تعقلون ) تكشف بوضوح عن هذه الحقيقة وهي : إن الله وهب الإنسان العقل كي يستعين بقدرته على إدراك الحقائق وفهمها ، ويستحق اللوم والتوبيخ إذا ترك الانتفاع بهذه القدرة.
والآية الثانية ومن خلال اشارتها إلى آيات الله في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار صرحت : إن إدراك هذه الآيات أمر يسير لأولي الألباب.
وكما أشرنا سابقا ، فإن (اولي الألباب) هم العلماء الذين خلصت عقولهم من جميع ترسبات الأوهام ، فهم يدركون وقائع نظام الخلق ، ويرون جمال الخالق من خلال المخلوقات ، وهذا يكشف عن أهمية العقل كطريق لمعرفة الحق جل وعلا.
* *
أما الآية الثالثة ، فبعد أن أشارت إلى خروج الإنسان من بطن امه لا يعلم شيئا شرحت وسائل المعرفة ، فبدأت بحاسة «السمع» الذي تعرف علومه ب «العلوم النقلية» ، من خلال الاصغاء إلى أقوال الآخرين ، ثم ذكرت «البصر» الذي تميز به الأشياء بعد مشاهدتها ثم ختمت ب «الفؤاد» الذي تدرك به الحقائق غير المحسوسة ، وقد قلنا سابقا : إن الفؤاد هو العقل عند نضوجه ، فهو أعلى درجة من العقل.
* *
والآية الرابعة بعد إشارتها إلى الأقوام السالفة المقتدرة والتي أبيدت واهلكت بسبب ، وقد أهلكوا لطغيانهم وفسادهم ، ولم يستطيعوا الفرار والنجاة ، قالت : ( إن في ذلك ) (في سيادتهم ثم إبادتهم) ( لذكرى لمن كان له قلب ) (أي عقل) ( أو القى السمع ) (أي يصغي للنصائح)!
والآية الخامسة بعد الإشارة إلى إحياء الأرض الميتة وانبات الزرع فيها الذي يمثل غذاء الإنسان ودوابه ، صرحت : إن هذه الامور آيات يدركها أصحاب النهى.
وكنا قد أشرنا إلى أن النهى هو العقل بما هو ناه عن فعل الأفعال القبيحة.
* *
Sayfa 115