Nadwa Ulum al-Hadith Ulum wa-Afaq

Group of Authors d. Unknown
48

Nadwa Ulum al-Hadith Ulum wa-Afaq

ندوة علوم الحديث علوم وآفاق

Türler

وها هو ابن حبان يكون أحد من يؤلف في الصحيح، واضعًا نُصْبَ عينيه الحرصَ على زيادة عدد الصحيح (١)، ومرتّبًا لكتابه على طريقةٍ لا ينتفع بها إلا من حفظه (كما سبق)، ليقاومَ (من جهة أخرى) ذلك الخلل في منهج التعلُّمِ في زمنه (٢) . بل هذا الحاكم، يَقْصدُ إلى هذا الغرض صراحةً، عندما يؤلف كتابه (المستدرك على الصحيحين) . إذن فحاجة السنة إلى تمييز الصحيح، كانت سببًا آخر في استمرار اكتمالِ آلة الاجتهاد عند علماء القرن الرابع. ومن هذه الحاجة إلى حاجة أخرى، لا تَقِلُّ في ضروريّتها عن تمييز الصحيح، ولا في كونها حقًّا موقوفًا على أهل الاجتهاد المطلق، وهي: بيان علل الأحاديث. ولا أظنني في حاجةٍ إلى التأكيد على أن علم العلل هو كهانةُ علم الحديث عند الجُهّال أمثالنا، وأنَّى لي أن أحتاج إلى ذلك مع تقرير عامّة المتأخرين لذلك. وإن علمًا هذه مكانته، لاشك أن أوّل آلات الاجتهاد فيه هي الحفظ الواسع. وبَعْدُ.. فهل هناك من شك أن أجلّ ما بلغنا من كتب العلل هو كتاب العلل للدارقطني (ت ٣٨٥هـ) . يقول الحُميدي (ت ٤٨٨هـ): «ثلاثةُ كتبٍ من علوم الحديث يجب التّهمُّمُ بها: كتاب العلل، وأحسن كتابٍ وُضع فيه كتاب الدارقطني» (٣) .

(١) يتّضح ذلك من كثرة زوائده على الصحيحين، حيث بلغت أكثر (٢٦٠٠) حديث. كما يتضح من نَقْده المبطَّن للبخاري بتركه حديث جماعةٍ من الثقات في صحيحه (الإحسان ١/١٥٢-١٥٤)، فكأنه يقول: إن ترك البخاري لحديث هؤلاء احتياطًا، لم يعد مقصدًا مقبولًا عند من أراد أن يعرف الحديث الصحيح على التحقيق.. لا على الاحتياط! (٢) فجاء المتأخّرون، بعد انتهاء ضرورة الحفظ التي كانت في زمن ابن حبان، فرتّبوا كتابه، ليسهل تناوله!! كما فعل ابنُ بَلَبَان الفارسي في (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) . (٣) الإعلان بالتوبيخ للسخاوي (١٦١) .

1 / 48