Nebi İbrahim ve Bilinmeyen Tarih
النبي إبراهيم والتاريخ المجهول
Türler
11
ومعلوم أن العرب لم يعتادوا الدفن في غرف أو أقبية، كما لم يعتادوا دفن موتاهم في توابيت، أو وضعهم على أسرة، والمواصفات الواردة في الرواية تطابق إلى حد مثير، أسلوب قدماء المصريين في دفن موتاهم، إضافة إلى ما أسماه النص مصحفا أو كتابا، وهي عادة مصرية بحتة، وهو المعروف باسم «كتاب الموتى»، وكان يوضع في قبور الموتى بلا استثناء، ليهدي الميت في آخرته سواء السبيل. أما القول إن المقبرة المكتشفة في تستر المدينة كانت لدانيال النبي أو غيره؛ فإنه من قبيل التخريجات لتفسير ما ليس له تفسير. فواضح أن المقبرة كانت فخمة إلى حد احتاج معه المفسرون إلى شخصية تتناسب وعظمتها، ولم يكن العهد آنذاك يرى من هم أعظم من الأنبياء، كما لم يكن ممكنا الزعم بأنها مقبرة نبي معلوم الشأن، لما في ذلك من حساسية تشوبها القدسية والتابو، ومن هنا لم يكن ثمة بأس من اختيار نبي توراتي مثل دانيال، لا تزعج المسلمين مسألة دفنه سواء على سرير أو في تابوت، في كثير أو قليل.
وثمة رواية أخرى أكثر إفصاحا عن المصرية، واضح أنها تتحدث عن كشف لمقبرة من نوع خاص. فيروي السهيلي، حديث عبد الله بن جدعان، وهو شخصية حظيت بالأهمية، حتى سجلها كتاب التراث المسلمون بعد زمان، لما حالفه من حظ الثراء المفاجئ والغنى الذي لم يبلغه غيره، فيقول: «وكان ابن جدعان في بدء أمره صعلوكا ترب اليدين، نفاه أبوه وحلف ألا يؤويه أبدا، فخرج في شعاب مكة حائرا بائرا يتمنى الموت أن ينزل به، فرأى شقا في جبل فظن فيه حية، فتعرض للشق يرجو أن يكون فيه ما يقتله فيستريح، فلم ير شيئا فدخل فيه، فإذا ثعبان عظيم له عينان تقدان كالسراجين، فحمل عليه الثعبان فأفرج له، فانساب عنه مستديرا بدارة عندها بيت، فخطا خطوة أخرى فصفر به الثعبان وأقبل عليه كالسهم، فأفرج عنه، فانساب عنه قدما لا ينظر إليه، فوقع في نفسه أنه مصنوع فأمسكه بيده، فإذا هو مصنوع من ذهب وعيناه ياقوتتان، فكسره وأخذ عينيه ودخل البيت، فإذا جثث على سرر طوال لم ير مثلهم طولا وعظما، وعند رءوسهم لوح فضة فيه تاريخهم، وإذا هم رجال «من ملوك جرهم»، وإذا في وسط البيت كوم عظيم من الياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة والزبرجد، فأخذ منه ما أخذ، ثم علم الشق بعلامة وأغلق بابه بالحجارة، وأرسل إلى أبيه بالمال الذي خرج به يسترضيه ويستعطفه، ووصل عشيرته كلهم، فسادهم وجعل ينفق من ذلك الكنز، ويطعم الناس ويفعل المعروف.»
12
ولعله واضح أن كلتا الروايتين تبالغ في أحجام المومياوات المكتشفة ؛ فأنف المزعوم أنه دانيال من شبر إلى ذراع، والجثث التي عثر عليها ابن جدعان لم ير مثلها هولا وعظما، وهو أمر يعكس الظن الصادق من جانبنا في أصل أصحاب هذه المقابر، وأنهم ربما كانوا عمالقة، لذلك كان السهيلي سهلا في فهمه، فأضاف دون حرج عن هذه المومياوات قوله: «وإذا هم رجال من ملوك جرهم»، وهو ما يصادق على زعمنا أن العمالقة هم الجراهمة هم المصريون، كما لا يحتاج لبيان قصة الثعبان، الإله المصري «مجر-ست» الثعبان، حامي التيجان والتميمة المقدسة، وحامي المقابر الملكية، وكانت توضع له نماذج في مقابر العظماء من الذهب الخالص، ويطعم بالأحجار الكريمة، هذا إضافة إلى اكتشاف ابن جدعان أنه مصنوع، رغم الإخراج الفني للرواية الذي يزعم له حركة وهجوما ... إلخ، إضافة إلى أن لوح الفضة عند الرأس والقدمين يسجل الابتهالات من أجل الميت، هو طقس مصري قديم، واضح المصرية. وإذا كنا قد وقعنا إبان بحثنا على مثل هذه النوادر، في كتب الأخبار الإسلامية فلا ريب أن الذي لم يصادفنا أكثر، كما لا شك أن مثل هذه النوادر والكشوف لم تكن كل الكشوف الحقيقية، إنما فقط ما وجد منها طريقه إلى التسجيل، إضافة إلى حسبان أنها كشوف تمت بالصدفة البحتة، مما يشير إلى عدد لا شك كبير من القبور التي تناثرت على صفحة الجزيرة تعلن عن أصحابها.
أما الأمر العظيم لأمرنا هذا، ذاك الذي أدهش أهل التاريخ، ولأن المدهشات في التاريخ كثيرة، فقد اكتفوا بإبداء الدهشة ووضعوا أمامه علامات التعجب، وسجلوا حوله استفهامات تطلب إجابات لم تأت أبدا، ثم غلفوه بعناية وحفظوه في سلة مهملات التاريخ، وأرشفوه ضد مجهول!
وهو ما يوجزه الباحث العراقي، والمؤرخ الكبير «طه باقر» يلخص فيه أمر هذا المدهش، واتجاهات أصحاب الرأي فيه، في كتاب من أضخم كتبه وسمه باسم «الوجيز» يقول فيه: إن نصوص الحضارة الرافدية، كانت تتحدث عن بلاد ذات علاقات مستمرة مع بلاد الرافدين القديمة، أهمها «قطران» ترافق ذكرهما في النصوص المسمارية، مما يشير إلى تجاورهما، وهما: قطر «مكان» بكسر الميم، وقطر «ملوخا»، ويوضح أن الباحثين قد اتخذوا قرارا باعتبار «مكان» هي منطقة «عمان» الحالية بجزيرة العرب، وقد أشارت النصوص المسمارية إلى واحد من ملوك القطر «مكان» باسم «مانيئيم»، وأنه كان معاصرا لفترة حكم الملك الرافدي «نرام سين»، أما القطر الثاني «ملوخا» فقد عينه الباحثون بالحبشة الحالية.
13
أما ذلك المدهش الذي ظل بلا إجابة، فيأتي في تساؤل «طه باقر»: «ومع أن الاسم مكان كان يطلق على منطقة عمان في العصور القديمة، إلا أن الاسم نفسه صار يطلق في العصور المتأخرة من تاريخ العراق القديم على بلاد مصر، الأمر الذي يثير تساؤلا محيرا، هو: هل كان المقصود من قطر مكان وملكه مانيئيم في عهد نرام سين بلاد مصر؟!»
14
Bilinmeyen sayfa