Eski Pınar: Hikaye Tabloları
النبع القديم: لوحات قصصية
Türler
كنت قد استجبت للشيخ الهائل الجرم، ورحت أسبح وأسرح معه وأحدق بعيني وأعقد حاجبي لأتابعه كلمة كلمة. لكن يبدو أن منظري لم يش بتركيز ولا انتباه، وأن عيني كانت رغما عني، تحلق في السقف أو تتطلع من النافذة العريضة المجاورة لمكتبه، إلى السماء التي تغطيها الغيوم والأفق المترامي وراء حدود المدرسة. وفوجئت به يقف أمامي مباشرة، وهو يصيح بصوت كالرعد: - أنت يا ولد ... ما اسمك واسم أبيك؟
قمت واقفا، وأخبرته وأنا أرتعش باسمي واسم أبي.
عاد صوته يدوي: - سرحان وتائه من أول يوم؟ ومن أول يوم وعينيك كلها نوم؟!
وشعرت بيد تلطمني على صدغي لطمة لسعتني كالسوط، وزلزلت دماغي وكبست الطربوش على عيني فغطى جبهتي. رفعت يدي إلى وجهي غير مصدق. وبينما يرتعش كياني، ويوشك أن ينفجر في البكاء، أحسست بيد غير رحيمة تشدني من وراء التختة، وبالصوت الراعد يدمدم والذراع الممدودة تشير إلى الباب: قم يا ولد كفاية نوم. رح عند الحنفية في الحوش واغسل وجهك وعينيك. يا الله يا ولد ... يا الله! ...
خرجت من الباب، وظهري ينتفض على مرأى من الجميع من شدة البكاء. كان صوت الشيخ يلاحقني، وهو يشخط في بقية الأولاد: التركيز والانتباه يا أولاد، ضروري نصحى من النوم ونفتح عيوننا، في درس العربي وفي كل الدروس. اصحوا وانتبهوا، يا ويل التائه والسرحان في الدنيا وفي الآخرة.
ما زلت أتذكر ذلك القلم الجبار وتلك الصفعة المباغتة. وكلما خطرا على بالي، تحسست وجهي وهززت رأسي لكي أفيق وأمعن التركيز الذي علمتني الأيام أنه أبو الفضائل جميعا. لكن هل استطعت منذ ذلك اليوم الأول حتى بلوغي سن المعاش ودخولي في الشيخوخة، أن أفيق تماما من السرحان والتوهان والسقوط في الغيبوبة مع كل عمل أقدم عليه، أو كل كتابة أشرع فيها؟
لا أظن ذلك، ربما عزيت نفسي أحيانا بأن معظم أعمالي هي أبناء وبنات الصمت والسرحان والتوهان، وأن غيبوبة الكاتب في ملكوته لا يخرجه منها أن يغسل وجهه وعينيه بمياه كل البحار.
مع أبي
اعتدت بعد انتهاء اليوم الدراسي أن أمر على الدكان وأرجع مع أبي إلى البيت. أراه جالسا أمامه، والمصحف بين يديه، وشفتاه تتمتمان في همس خفيض. لقد أدى صلاة العصر في الجامع، واتخذ مكانه على الرصيف أمام باب الدكان، وراح يرد السلام على كل من يفوت عليه، أو يدخل الدكان ليشتري حاجته من الغلال. كان معظم العابرين والداخلين ينحنون على يده ويقبلونها ويسألونه الدعاء. وكنت ألاحظ فرحة شقيقي اللذين يصرفان شئون المحل بوجوده معهما؛ لأنه يشيع البركة من حوله، وربما يشجع أيضا على حركة البيع والشراء. أقف قليلا إلى جانبه، أو أتنقل داخل المحل، حتى ينادي علي قائلا: يا الله يا ابني نتوكل على الله.
في الطريق الترابي القصير إلى البيت، أسير بجوار كغراب صغير يعرج بجانب نسر عظيم. حقيبة كتبي وكراساتي على ظهري، وفي رأسي الصغير عشرات الأفكار والحكايات التي أريد أن أقصها عليه. وأرفع عيني إلى وجهه، فأراه كما عهدته: مضيء يشرق بنوره الداخلي، ومتجهم الملامح، وصامت على الدوام إلا من شفتين تتحركان حركة غير منظورة، وتتمتمان بالآيات أو الدعوات. وأحاول أن أنفذ إلى الحصن الحصين الذي أغلق عليه أبوابه ونوافذه، ومثل أمامي صامدا وراسخا ومكتفيا بنفسه. - بالك يا آبه؟ الأستاذ عزيز يسلم عليك.
Bilinmeyen sayfa