Eski Pınar: Hikaye Tabloları
النبع القديم: لوحات قصصية
Türler
صرخ الوجه المخيف، ورجت أصداء صرخته أعماق الجب: كل ما تقوله أضغاث أحلام، لا أنت يوسف ولا هذا البئر هو بئرك. - لتكن كلها أضغاث أحلام وأوهام. عجلوا بالتقاطي ولا تتركوني في هذا الظلام ... - بل نتركك - عقابا لك - للمزيد من الأحلام والأوهام. نتركك للهم والوحدة والاكتئاب. ستسير القافلة ولن توقفها أحلامك وأوهامك ... ابق في جبك، واشك أمرك لله ...
قلت، وأنا أبكي وأرتعب من تصور وجودي في الظلام، وانتظاري للموت الوشيك، أو لمعجزات الصدفة: ولمن أشكو بثي وحزني إلا إليه؟ اذهبوا إذا شئتم، لن أيئس أبدا من روح الله!
انخرطت في نشيج الوحيد الممزق على الحافة بين الأمل في سيارة أخرى، واليأس من كل عون أو رجاء. وعندما أفقت على الدموع التي تبلل وجهي، والصيحات التي تزلزل صدري، فتحت عيني ووجدتني جالسا في سريري - وسط غبشة الظلام التي تسبق الفجر - لا في غيابات الجب.
كبرية
كانت إحدى أقارب أبي، لا أدري من ناحية أمه أو من ناحية أبيه. تزورنا في بيتنا بين الحين والحين، وتحط علينا بقامتها النحيلة الفارعة، كنسر هائل يخيم بظلاله الكبيرة السوداء، وتراه فجأة وسط البيت أو بالقرب من الفرن حيث تجلس أمي أمام الخبيز. كيف دخلت ومن أي باب؟ هل رأت الباب الخشبي المفتوح على الحارة الصغيرة مواربا فتسللت منه كالقضاء والقدر، أم جاءت من الشارع ورفعت «السقاطة» بنفسها وضغطت على الباب الرئيسي الثقيل فانفتح لها؟ المهم أنها كانت تتوسط الدار فجأة، وملسها الأسود يزحف وراءها، ونسمع صوتها الخشن وهي تنادي: يا أهل الله ... يا أولاد ... وترد أمي التي تكون قد لمحتها وهي تقترب من قاعة الفرن، بينما تتمتم شفتاها - أي شفتا أمي - مستعيذة بالله من كل شيطان رجيم: تعالي يا عمة كبرية ... خطي وقولي باسم الله الرحمن الرحيم ... وتخطو كبرية العجوز متحسسة طريقها بعينيها الكليلتين، وفي الضوء الخافت الذي ينزل على القاعة من بئر السلم: يجعلو عمار يا ابن عمي ... يسترك ويستر أولادك يا قادر يا كريم ... عوافي يا أولاد ...
كانت تظهر كل موسم، كأنما تذكر أبي «بالعادة» التي لم يقطعها أبدا. فلا يكاد يقبل موسم الحصاد حتى يرسل لها ولغيرها المعلوم، يكلف أولاد الحلال بأن يحملوا زكائب القمح والأرز، في الستر من سكات وبعد مغيب الشمس، إلى عدد من المحتاجين الذين يعرفهم هو ولا تأتي سيرتهم أبدأ على لسانه، وإلى بعض الأقارب الذين يشعر بهم وبأحوالهم أكثر من غيره، ويرفض أن يفصح عن أسمائهم لأحد منا، ولا لأمي نفسها؛ إيمانا منه بأن المؤمن الحقيقي هو الذي ينفق لوجه الله دون أن تدري شماله بما أعطت يمينه ...
تجلس عمتي كبرية مع أمي في قاعة الفرن. أحس بقدومها وأسمع صوتها فأتحاشى لقاء العنزة العجوز - كما كنت أسميها، فتضحك أمي حتى تكاد تقع من طولها - وأختفي في إحدى الغرف، أو أواصل لعبي بالعربات الصفيحية الصغيرة وكرات البلي والخرز والحصى والزلط في الممر الواصل بين بابي البيت المطلين على الشارع والحارة. لكن كبرية لا تتركني في حالي، تتذكرني فجأة وهي تهتف: آخر العنقود فين؟ نادولي على الولد «الثلث» لأعطيه الحاجة الحلوة ... وتنادي أمي علي، فأتلكأ وأرفع صوتي بالصياح أو الغناء أو الشجار مع لعبي المختلفة، لأجد ذريعة للبعد عن العنزة السوداء العجوز. لكنها تصمم على معاودة النداء بصوتها الجهوري العالي علو قامتها الفارعة: تعالى يا ثلث! أنت أوحشت عمتك يا حبيبي. تعال أبوسك من خدودك وشعرك وعينيك، ... تعال يا ضي عيني ... ربنا يحميك لأبيك الطيب الأمير.
لكني أواصل التلكؤ مع الارتجاف من الرعب ... وأفاجأ بخالتي بسيمة - وهي جارتنا الوحيدة التي تأتي لزيارتنا ومساعدة أمي كل يوم خبيز - أفاجأ بها تقف أمامي، وتحاصرني من كل ناحية، وهي تقول: عمتك تسأل عنك ... - تعال يا حبيبي وأنا معك، تعال تعال ...
وتهجم علي خالتي بسيمة، وتقطع علي أي طريق للهرب. أترجاها أن تتركني في حالي، وأهمس في أذنها بأنني خائف، فلا تسأل في. وتمد ذراعيها على اتساعهما فتمسك بي وتشدني وراءها إلى حيث تجلس كبرية، وتمدد ساقيها اللتين لم أر في حياتي أطول منهما.
تضحك أمي، وهي تهتف: ولد أهبل صحيح ... عمتك تسأل عنك ... تعال تقرأ الفاتحة وتسمي عليك ... تعال يا حبيبي، اسمع الكلام ... اسمع الكلام واقترب من كبرية، التي تلم ملاءتها كنسر هائل ضخم يضم جناحيه السوداوين، وتفرد ذراعها وهي تتلفت حولها ولا تستطيع أن تحدد مكاني، بينهما أنا واقف في مكاني، ترتعش ساقاي ويدق قلبي بعنف، وأستنجد بأمي وخالتي بسيمة دون فائدة. وفجأة - لا أدري كيف - تحتويني ذراعان طويلتان نحيلتان، كأنهما ذراعا أخطبوط مخيف، وأسمع دمدمة لا أتبين كلماتها ولا أفهمها: تعال يا ابن الحبيب ... يا غالي يا ابن الغالي ... تعال ربنا يطول في عمرك ويرحم إخوتك ... راحوا يا حبة عيني وتركوك لوحدك. تعال يا حبيبي لحضن عمتك وعمة أبيك ...
Bilinmeyen sayfa