وهذا من المقلوب: أراد كما ضمّ أزرار القميص البنائق؛ ومثل هذا كثير؛ فجعل المجنون ما يأتيه فى ليله مما عزب عنه فى نهاره كالأطفال الناشئة.
وقال ابن الدّمينة يتبع النابغة:
أظلّ نهارى فيكم متعلّلا ... ويجمعنى والهمّ بالليل جامع
فالشعراء على هذا المعنى متفقون، ولم يشذ عنه ويخالفه منهم إلا أحذقهم بالشعر.
والمبتدئ بالإحسان فيه امرؤ القيس؛ فإنه بحذقه، وحسن طبعه، وجودة قريحته، كره أن يقول: إنّ الهم فى حبّه يخفّ عنه فى نهاره، ويزيد فى ليله، فجعل الليل والنهار سواء عليه فى قلقه وهمه، وجزعه وغمه؛ فقال «٣٨» .
ألا أيها الليل الطّويل ألا انجلى ... بصبح وما الإصباح فيك بأمثل «٣٩»
فأحسن فى هذا المعنى الذى ذهب إليه، وإن كانت العادة غيره، والصورة لا توجبه؛ فصبّ الله على امرئ القيس بعده شاعرا أراه استحالة معناه فى المعقول، وأنّ الصورة تدفعه، والقياس لا يوجبه، والعادة غير جارية به، حتى لو كان الرادّ عليه من حذّاق المتكلمين ما بلغ [١٣] فى كثير نثره ما أتى به فى قليل نظمه، وهو أبو نفر الطّرمّاح بن حكيم الطائى؛ فإنه ابتدأ قصيدة، فقال «٤٠»:
ألا أيّها الليل الطويل ألا اصبح ... ببمّ «٤١» وما الإصباح فيك بأروح
ويروى: «ألا أيّها الليل الذى طال أصبح» . فأتى بلفظ امرئ القيس ومعناه، ثم عطف محتجّا مستدركا، فقال:
بلى إنّ للعينين فى الصّبح راحة ... لطرحهما طرفيهما كلّ مطرح
فأحسن فى قوله وأجمل. وأتى بحقّ لا يدفع، وبين عن الفرق بين ليله ونهاره.
1 / 29