فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول. إني ندمت على الكلام مرارًا ولم أندم على الصمت مرة واحدة. وقال إبراهيم بن المهدي في هذا المعنى فأحسن:
إن كان يعجبك السكوت فإنه ... قد كان يعجب قبلك الأخيارا
ولئن ندمت على سكوتك مرة ... فلقد ندمت على الكلام مرارا
إن السكوت سلامة ولربما ... زرع الكلام عداوة وضرارا
فحقيق على الأديب أن يخزن لسانه عن نطقه، ولا يرسله في غير حقه، وأن ينطق بعلم، وينصت بحلم، ولا يعجل في الجواب، ولا يهجم على الخطاب. وإن رأى أحدًا هو أعلم منه، نصت لاستماع الفائدة عنه، وتحذر من الزلل والسقط، وتحفظ من العيوب والغلط، ولم يتكلم فيما لا يعلم، ولم يناظر فيما لا يفهم، فإنه ربما أخرجه ذلك إلى الانقطاع والاضطراب، وكان فيه نقصه عند ذوي الألباب. وقد قال الأعور الشني فأجاد:
ألم ترَ مفتاح الفؤاد لسانه ... إذا هو أبدى ما يقول من الفم
وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
ومثله قول الأخطل أيضًا:
إن الكلام من الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وأخبرني أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب قال: كان بكر بن عبد الله المزني يقل الكلام، فقيل له في ذلك، فقال: لساني سبعٌ، إن تركته أكلني، وأنشد:
لسان الفتى سبع عليه شذاته ... فإلا يزع من غربه فهو آكله
وما العيّ إلا منطق متبرع ... سواء عليه حق أمر وباطله
1 / 8