فقال له: لله أبوك أحسنت، خذ بيدها فهي لك! وأمر له بألف درهم.
واعلم أن كل ما رسمناه في هذه الأبواب، وذكرناه، وشرطناه على الأدباء، ووجدناه داخلًا في باب حدود الأدب، على ما أصبناه، غير خارج منه، ولا منفصل عنه، وأن يكون الأديب عاقلًا واللبيب كاملًا، حتى تكون له مودة قد قرنها بأدبه، وثابر عليها في طلبه، فإذا جمع ذلك رهب منه الأعداء، ورغب فيه الأولياء. وسنذكر من أنشأته المروة، فيكون فيه بلاغ وهداية، إن شاء الله تعالى.
شرائع المروة وصفتها
اعلم أن المروة هي عماد الأدباء، وعتاد العقلاء، يرئس بها صاحبها، ويشرف بها كاسبها، ولا شيء أزين بالمرء من المروة، فهي رأس الظرف والفتوة. وقد قال بعض الحكماء: الأدب يحتاج معه إلى المروة والمروة لا يحتاج معها إلى الأدب. وربما رأيت ذا المروة الخامل، وذا السخاء الجاهل، قد غطت مروته على عيوبه، وستره سخاؤه من معيبه. وأهل المروءات محسودة أفعالهم، متبعة أحوالهم. وقل ما رأيت حاسدًا على أدب، وراغبًا في أرب. من ذلك ما حكي عن محمد بن حرب أنه قال: كنت على شرطة جعفر بالمدينة، فأتيت بأعرابي من بني أسد يستعدى عليه، فرأيت رجلًا له بيان يحتمل الصنيعة، فرغبت في اتخاذها عنده فتخلصته ثم لم يلبث أن ردّ
1 / 37