على الذين يتولونه ، وحال فعله معهما لا تختلف؟
قيل له : إن المؤمن ، لما كان لقوة بصيرته وشدة رغبته فى الطاعة ومعرفته بموقع المعصية تصير وسوسته غير مؤثرة فيه ، جاز أن يقول : « لا سلطان له (1) عليه. ومن يتولاه لما خرج عن هذه الصفة ، وصير نفسه كالمنقاد له فيما يخطر له من الشر ، جاز أن يقول : له عليه سلطان ، وإلا فلو كان يفعل بمن يتولاه أكثر من الوسوسة حتى يحمله على المعصية وقدر على ذلك ، لكان يفعل مثله بالمؤمن ؛ لأنه إلى الإضرار بالمؤمن أقرب ، ومحبته لصرفه عن الإيمان أشد.
وهذه الآية ، من هذا الوجه ، تدل على بطلان قول الحشوية أن الشيطان يقدر على أن يصرع الإنسان ويخبطه ، لأنه لو قدر على ذلك لكان له سلطان على الذين آمنوا ، لأن فيهم من قد يلحقه ذلك.
وتدل أيضا على أن الشيطان لا يقدر على أن يرفع الصوت على وجه نسمعه ؛ لأنه لو قدر على ذلك لأفشى سر المؤمن ، ولبث عنه ما يضره انتشاره وظهوره ، وكان يكون له عليه سلطان من بعض الوجوه.
ومن وجه آخر ، وهو أن قوله تعالى : ( وعلى ربهم يتوكلون ) (2) يدل على أن العبد يفعل ، لأن توكله عليه إنما هو بأن يطلب الشيء من جهته ولا يعدل عنه إلى غير وجهه ، ولو لم يكن فاعلا لما صح ذلك فيه ، كما لا يصح أن يتوكل على الله فى لونه وسائر ما اضطر إليه!
Sayfa 454