والجواب عن ذلك : أن ما يحصل من سير راكب الفلك فى البحر ، هو من فعله تعالى فى الحقيقة ؛ لأنه المجرى له مجرى الماء ، والاعتماد الذى فيه هو من فعله تعالى ، وإذا كان من الملاح جدف له فليس يخرج من أن يكون تعالى هو المسير ؛ من حيث جعل الماء بالصفة التى يصح التسيير عليها ، وجعلها فى الاعتماد بحيث تعين الملاح ، فصار فعله لا يتم إلا بأفعاله تعالى ولا يمتنع أن يضاف إليه ؛ لأن من حق أجزاء الفعل إذا وقعت من فاعلين ، والمعلوم من حال أحدهما أنه كان يتم منه التفرد [ و] من حال الآخر أن ذلك لا يصح منه ، صار جميعها كأنه من فعل من يصح منه التفرد ، فهو بالإضافة إليه أحق ، ولذلك لو حمل القوى منا والضعيف جسما ثقيلا وحالهما ما وصفنا لوجب أن ينسب ذلك إلى القوى ، ولهذا صح أن يضيف تعالى سيرهم فى البحر إلى نفسه على كل حال ، وإن كان هناك فى بعض الأحوال من العباد جدف [ و] تحريك.
فأما سير (1) العباد فى البر فقد يضاف إلى الله تعالى ، من حيث أمر به وبعث عليه إذا كان السير طاعة ، فأما إذا كان معصية فلا يجوز أن يراد بالكلام ، لأنه لا يصح أن يضاف إليه تعالى على وجه من الوجوه.
وقد يحتمل أن يريد تعالى أنه مهد لهم الأرض ووطأها على الحد الذى صح معه السير عليها ، فصار ذلك السير فى الحكم كأنه من قبله ، وعده عليهم فى جملة نعمه.
والوجه الأول هو الذى اختاره أبو على رضى الله عنه ، لأن ما معه يصح الفعل لا يوجب حسن الإضافة ، وإلا كان يجب جواز إضافة المعاصى إليه ، لأنه الذى قوى عليها بوجوه التقوية والتمكين.
Sayfa 359