لا تستمر على طريقة واحدة ، فربما كانت (1) لهم وربما كانت (2) عليهم ، وإن كانت النصرة على جميع الأحوال للمؤمنين ؛ لأنه تعالى لا يجوز أن يخذلهم وإن غلبوا من حيث أعد لهم الثواب العظيم لصبرهم ، وأعد للكفار العقاب الأليم لغلبتهم ، ولا بد من اعتبار العاقبة فى النصرة والخذلان ، فظن المؤمنون أن الله لما نصرهم يوم بدر بالوجوه التى فعلها أن ذلك واجب فى كل حرب ، فلما لحقهم من الكفار ما لحقهم صبرهم بهذا القول ، ليبين لهم أن الدنيا منغصة ، وأن أحوالها فى السراء لا تستمر ، « وأن الأحوال تختلف عليهم فيها 3 ، لكيلا يكثر ركونهم إليها ويعلموا أن الواجب طلب الآخرة.
فإن قال : فيجب إذا جعل الغلبة مرة للكافر ومرة للمؤمن أن يكون قد خذل المؤمنين.
قيل له : قد بينا أنه تعالى قد يفعل ذلك على جهة (3) المصلحة ليكونوا الى الطاعة وإلى الزهد فى الدنيا أقرب.
وقوله تعالى بعد ذلك : ( وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ) يدل على أن ما فعله هو لضرب من المصلحة ، لكى يتميز المؤمن من المنافق ، ويحصل لبعضهم الشهادة المؤدية إلى النعيم العظيم.
وقوله تعالى : ( والله لا يحب الظالمين ) من بعد ، يبين أن ما حصل من الكفار لم يقع لمحبته ، وأنه إذا كان ساخطا فهو إلى الخذلان أقرب ، ليبين أنهم وإن غلبوا فى الظاهر فليس ذلك بنصرة فى الحقيقة.
Sayfa 164