حاولت روز معاودة النظر إلى أرضية المطبخ، والتحديق في ذلك الترتيب الهندسي البارع والمريح، بدلا من النظر إلى أبيها وحزامه. كيف يمكن لذلك أن يحدث أمام هؤلاء الشهود في وضح النهار، مشمع الأرضية، ونتيجة الحائط المرسوم عليها طاحونة وجدول مائي وأشجار الخريف، والأوعية والأواني القديمة؟ «افتحي يديك!»
ما كانت هذه الأشياء لتساعدها، ما كان بوسع أي منها إنقاذها. فتحولت إلى أشياء تافهة عديمة القيمة، بل ومعادية لها أيضا. فظهر على الأواني الخبث، ونقوش مشمع الأرضية صارت تنظر إليها شزرا. الغدر هو الجانب الآخر للحياة اليومية المعتادة.
مع أول شعور بالألم، أو ربما الثاني، تراجعت روز؛ فلن تقبل الأمر. أخذت تركض حول الغرفة محاولة الوصول للأبواب، ووالدها يعيق طريقها. لم يبد عليها أي ملمح من الشجاعة أو القدرة على الصمود. أخذت تركض، وتصرخ، وتتوسل، ووالدها يجري وراءها، ضاربا إياها بالحزام متى سنحت له الفرصة، ثم ألقى به واستخدم يديه. ضربة على الأذن، وأخرى على الأذن الثانية. ضربات متتالية، ورأسها يطن. ضربة على الوجه. تنهض لتقف قبالة الحائط، فتتلقى ضربة أخرى على وجهها. يهزها والدها، ويدفعها نحو الحائط، ويركل ساقيها. أخذت تتلعثم في الكلام، وقد جن جنونها، وتصرخ: «سامحني! أرجوك، سامحني!»
أخذت فلو تصرخ أيضا: «كفى! توقف!»
لكن الأمر لم ينته بعد في نظره، فألقى روز على الأرض، أو لعلها هي من ألقت بنفسها، وأخذ يركل ساقيها مجددا. لم تعد تنطق بكلمات، لكنها أخذت تصدر أصواتا عالية، الأمر الذي جعل فلو تصيح: «يا إلهي! ماذا إذا سمعها الناس ؟» كان صوت المهانة والهزيمة ذلك هو ملاذ روز الأخير؛ إذ يبدو أنه توجب عليها لعب دورها في هذا الأمر بنفس الفظاظة والمبالغة التي لعب بها أبوها دوره. فلعبت دور الضحية مع انغماس ذاتي يثير - أو ربما تطمح في أن يثير - ازدراء والدها الأخير.
بدا أنهما سيبذلان كل ما في وسعهما في هذا الأمر، وسيصلان إلى أقصى الحدود الممكنة.
في الواقع، ما كانا ليصلا إلى أقصى الحدود بالفعل؛ فهو لم يتعمد إيذاءها قط، وإن كانت تدعو الرب أحيانا، بالطبع، أن يفعل ذلك. فكان يضربها بباطن يده، ولم يتماد في ركلاته أيضا.
توقف الآن عن الضرب؛ إذ أخذ يلهث. سمح لفلو بالتدخل، وأمسك بروز ليرفعها عن الأرض، ودفعها في اتجاه فلو، مصدرا صوت اشمئزاز. تلقتها فلو، وفتحت الباب المؤدي للسلالم، ودفعتها لأعلى. «اصعدي إلى غرفتك الآن! أسرعي!»
صعدت روز السلالم وهي تتعثر، أو بالأحرى تسمح لنفسها بالتعثر والسقوط. لم تغلق باب غرفتها بقوة؛ لأن مثل هذا الفعل قد يجعل والدها يسعى وراءها مجددا، هذا فضلا عن أنها ضعيفة بالفعل. استلقت في السرير، وتمكنت من أن تسمع فلو عبر ثقب مدخن الموقد وهي تنتحب بصوت مسموع، وتستنكر ما فعله والدها، في حين قال لها الأب حانقا إنها كان يجدر بها إذن السكوت، إذا لم ترغب في معاقبة روز كان عليها ألا توصي بذلك. فردت فلو بأنها لم توص مطلقا بمثل هذا الضرب بالحزام.
أخذا يتجادلان حول ذلك، وأخذ صوت فلو الخائف يقوى ويستعيد ثقته مجددا. وبمرور الوقت ومع استمرار الجدال، عاد كل منهما لطبيعته؛ فسرعان ما صارت فلو هي التي تتحدث، بينما توقف الأب عن الحديث. كان على روز مقاومة نشيجها العالي لكي تتمكن من سماعهما. وعندما فقدت الاهتمام في أن تسمع، ورغبت في النشيج أكثر، وجدت نفسها غير قادرة على ذلك؛ فقد تحولت إلى حالة من الهدوء أدركت فيها أن ما حدث من وحشية قد وصل إلى منتهاه وآخره. وفي هذه الحالة، تأخذ الأحداث والاحتمالات منحى بسيطا لطيفا، وتصير الاختيارات واضحة على نحو رحيم. والكلمات التي ترد على الذهن ليست احتجاجية، وقلما تكون شرطية أيضا. «مطلقا» كلمة يتصحح بها الوضع فجأة؛ فقررت أنها لن تتحدث معهما مطلقا، ولن تنظر إليهما مطلقا فيما عدا نظرات الاشمئزاز، ولن تسامحهما أبدا. سوف تعاقبهما، وتقضي عليهما. وبعد أن أحاطت نفسها بهذه القرارات النهائية، وفي ظل آلامها الجسدية، شعرت براحة غريبة تجاوزت فيها نفسها، وتجاوزت فيها المسئولية.
Bilinmeyen sayfa