ومؤخرا، تذكرت روز تلك الأغنية، وعلمتها لبراين لترى ما إذا كان لها نفس التأثير عليه، وبالطبع كانت كذلك.
عندما سمعته فلو، صاحت: «يا إلهي! لقد سمعتك! وأنا أحذرك!»
كانت تحذره بالفعل. وبعد أن تلقى براين هذا التهديد فر هاربا من باب السقيفة الخشبية، ليفعل ما يشاء. فكونه فتى منحه حرية الاختيار بين المساعدة والمشاركة أو لا، فلم يكن ملتزما بالمشاركة في أعباء المنزل، ولم تكن الأسرة بحاجة إليه على أية حال، فيما عدا استخدامها له كأداة في صراع بعضهم مع بعض. وكانوا لا يلاحظون اختفاءه؛ ويواصلون صراعهم. فلا يستطيعون منع أنفسهم من المواصلة، لا يستطيع أي منهم ترك الآخر وشأنه. وحين كان يبدو عليهم الاستسلام، كانت صدورهم تتأجج بالحنق في تأهب للحظة الصراع.
أخرجت فلو دلو التنظيف والفرشاة والممسحة والوسادة التي تجثو بركبتيها عليها، وهي وسادة مطاطية حمراء اللون متسخة. شرعت في تنظيف الأرضية، بينما كانت روز تجلس على طاولة المطبخ، وهي المكان الوحيد المتبقي للجلوس عليه. وأخذت تؤرجح ساقيها. كان بإمكانها الشعور بملمس المشمع البارد تحتها؛ إذ ارتدت بنطالا قصيرا. كان ذلك بنطال الصيف الماضي الضيق باهت اللون الذي أخرجته من حقيبة ملابس الصيف، وكانت تفوح منه رائحة كريهة بعض الشيء بسبب فترة التخزين الشتوي.
زحفت فلو على الأرضية لتنظفها بالفرشاة، وتمسحها بالممسحة. كانت ساقاها طويلتين، بيضاوين، وقويتي العضلات، وتملؤهما الشرايين الزرقاء كما لو كان أحد قد رسم عليهما أنهارا بقلم لا يمحى. طاقة غير طبيعية، واشمئزاز ينفث عنفا ظهرا في احتكاك الفرشاة بمشمع الأرضية وحفيف الممسحة.
ما الذي كان على كل منهما قوله للأخرى؟ لا يهم حقا. فتحدثت فلو عن تحاذق روز، ووقاحتها، وسلوكها غير المسئول، وغرورها، واستعدادها لتحميل الآخرين أعباء واجباتها، وعدم اعترافها بالجميل. وكثيرا ما كانت فلو تقارن بين براءة براين وفساد روز. في لحظة تقول لها: «لا تظني أنك شخص مهم.» ثم تقول بعدها بلحظات: «من تظنين نفسك؟» عارضت روز هذه العقلانية والمهادنة الخبيثة، وأظهرت عدم الاكتراث على نحو متكلف، فتجاوزت فلو الحد المعتاد لازدرائها وضبط أعصابها، وصارت متكلفة في حديثها هي الأخرى؛ فأخذت تقول لروز إنها ضحت بحياتها من أجلها، وبأنها رأت والدها وقد تحمل عبء طفلة رضيعة وحده وأخذت تفكر فيما سيفعله؛ لذلك تزوجته، وها هي الآن، جاثية على ركبتيها تنظف في منزله.
في تلك اللحظة، رن جرس المتجر ليعلن قدوم أحد الزبائن، ونظرا للعراك القائم، لم يسمح لروز بالدخول إلى المتجر وخدمة الزبائن، أيا كانوا. نهضت فلو، وألقت بالميدعة التي كانت ترتديها، وهي تدمدم في تذمر، لكن بصوت خافت؛ فما عبرت عنه من حنق ما كان مسموحا لروز بسماعه. وذهبت إلى المتجر لتلبي طلب الزبون. سمعتها روز وهي تقول بصوتها المعتاد: «يا له من توقيت ممتاز حقا!»
عادت فلو إلى المطبخ، وارتدت الميدعة، وتأهبت لمواصلة العمل. «إنك لا تفكرين إلا في نفسك! لم تفكري فيما أفعله قط.» «لم أطلب منك قط فعل أي شيء، بل إنني أتمنى لو أنك لم تفعلي شيئا قط، فكنت سأكون أفضل حالا من الآن.»
قالت روز هذه الكلمات بوجه باسم وهي تنظر مباشرة نحو فلو، التي لم تكن قد جثت بعد على ركبتيها. رأت فلو الابتسامة على وجه روز، فالتقطت الممسحة التي كانت معلقة بجانب الدلو، ورمتها عليها. لعلها قصدت ضربها في وجهها، لكن الممسحة وقعت على ساق روز، فرفعت الفتاة قدمها وأمسكت بها، ملوحة بها دون اكتراث قبالة كاحلها.
فقالت فلو: «حسنا! لقد تجاوزت الحد هذه المرة.»
Bilinmeyen sayfa