وإني أستحلفك بشرفك وبشرف مهنتك التي تقضي عليك بكتمان الأسرار. - لا فائدة من تنبيهي فإني أعرف واجباتي.
فأراد أن يشكره، ولكنه لم يستطع الكلام؛ إذ أغمي عليه، فقال جيرار في نفسه: لقد كذب هذا الرجل؛ إذ يستحيل أن يكون جرح نفسه كما قال؛ لأن الرصاص إذا أطلق من مدى قريب ترك أثرا للبارودة في مكان الإصابة ولا يوجد شيء من هذا، فلماذا كذب؟
وهنا عاد إلى ذاكرته مقتل فولون، فنظر إلى الرصاصة التي أخرجها من الجرح بإمعان ثم وضعها في جيبه.
وصحا داغير ثانية وقد استراح بعد إخراج الرصاصة، فتنهد تنهد الراحة، ولكن كانت تدل على الخوف، ولا سيما حين كان ينظر إلى ملابسه الملوثة بالدماء والملقاة في زاوية من الغرفة.
ولم يخف معنى هذه النظرات عن جيرار، فقال له: أود أن أعلم لماذا ادعيت أنك جرحت نفسك؟ - ماذا يهمك؟ - إنك قد تكون ضحية هجوم، فإذا كان ذلك فلماذا لم تبلغ الحكومة؟ - أي شأن للحكومة فقد قلت لك إني جرحت نفسي خطأ وكفى، فعالجني ولا تهتم لمعرفة سبب جرحي. - لقد وعدتك ألا أقول شيئا عن جرحك لأحد عملا بواجب مهنتي؛ إذ لا فرق بين الكاهن والطبيب في وجوب كتم الأسرار.
ولكن لا شيء يمنع الطبيب أن يبحث عن حقيقة أمر يشك به، فأنا لا أعلم كيف جرحت، ولكني أسألك أن تقول لي الحقيقة. - إني أعيد عليك ما قلته وهو أن هذا الأمر لا يعنيك. - ولكنك لو عرفت ما يجول من خاطري من الشكوك لذعرت. - ولم؟ ألعلك تظن أنهم حاولوا قتلي؟ - ربما. - إذن؛ افترض ذلك. - وإذا افترضته يبقى أن أعلم لماذا لم تبلغ الحكومة.
فاضطرب لذكر الحكومة، وأجال نظره بين الطبيب وبين الملابس الدامية، وقال: إن ذلك يعنيني دون سواي ألا يمكن أن يكون ذلك الجرح نتيجة مبارزة خفية بسبب امرأة، فكيف يجوز أن أبلغ الحكومة في هذه الحالة؟ - فلم يعترض جيرار؛ لأن هذا التعليل كان ممكنا، ولكنه بقي مشككا، فودع الجريح وانصرف على أن يعود في الغد، واحتفظ بالرصاصة.
بقي داغير منصتا إلى أن أيقن من انصراف الطبيب، فنهض من فرشه يمشي إلى الباب مشية السكران، فأقفله بالمفتاح وهو يقول في نفسه: ترى كيف أعلل وجود الوحل والدم على ملابسي؛ فقد يوجد إخصائيون يعرفون أن هذا التراب من تراب الغابة، فمن جاءني بهذا الطبيب الذي رأى كل شيء، ولكنه لم يفهم شيئا فيما أظن، وقد جازت حيلة المبارزة عليه، ولكنها كيف تجوز على الحكومة؟ ولا سيما حين تسألني عن اسم مبارزي.
على أنه لا يبوح بما رآه عملا بواجب مهنته، ولنفرض أنه أراد أن يبوح فإني أعرف كيف أمنعه.
وبعد فما هذا الاتفاق الغريب، فإن جيرار ولدي وحياتي بين يديه، إذا عرف سر الجناية، ولكنه لو عرفه يكتمه لا محالة، فلأنظر الآن إلى الأهم وهو إخفاء أثر الجرح.
Bilinmeyen sayfa