فمسحت عينيها، ولبثت هنيهة ساكتة إلى أن خطر لها أن سكوتها اعتراف بهذا الحب، فقالت له: لماذا تفتكر بي يا موسيو بوفور؟ - بل؛ لأني لا أفتكر بسواك في هذا الوجود؛ فإنك ممثلة لي بكل مخيل. - ولكن زواجنا على افتراض أني أحبك محال. - لماذا؟ ما الذي يمنعنا عن الزواج؟ - يوجد كثير من العقبات. - اذكريها لي يا مرسلين فأزيلها، إني أحبك ولا عقبة تدوم في سبيل المحبين. - إني حقيرة وليس لي ثروة ولا رجاء بثروة على الإطلاق. - هل خطر لي أن أسألك إذا كنت غنية؟ وماذا يهمني فقرك وأنا قادر على أن أحقق كل أمانيك؟ - إني نشأت على الوحدة ولا أستطيع الاختلاط بالناس، ألم ترني كيف أني اجتنبت كل مجتمع إلى الزواج؛ فإنه يقضي علي بمعاشرة الناس وهذا فوق طاقتي. - وأنا مثلك أوثر العزلة والانفراد، وسترين معي كيف يكون هناء المحبين؛ فإني لا أسألك غير اليسير من الحب. - ولكني أخاف من الزواج؛ لأنه يقيدني بسيد وأنا كثيرة الكبرياء. - إن الزواج لا يجعلني سيدا عليك بل عبدا لك. - وفوق ذلك فلا بد من موافقة أبي، ومن يعلم ما يكون منه؟ - إنه سيرضى بي زوجا لك إلا إذا كان مقيدا مع سواي.
فاغتنمت مرسلين هذه الفرصة، واتخذت من قوله الحجة التي كانت تبحث عنها ولا تجدها، وقالت: لقد أصبت فقد وقع اختياره على سواك، ولا بد لي من طاعته؛ فهو أبي. - هذا ممكن، ولكن أباك إذا كان يحبك لا يكرهك على الزواج مرغمة، وإني أسألك سؤالا واحدا قبل انصرافي يا مرسلين، وهو هل تحبين الذي اختاره أبوك زوجا لك؟ وأنك إذا كنت تحبينه أذهب فلا ترينني إلى الأبد، وإذا كان الأمر على العكس أبقى.
وقد قال هذا القول ونظر إليها نظرة نارية، فلبثت مطرقة واجمة لا تعلم ما تجيب؛ لأنها إذا أجابت بما يرضيه تكون كأنها قد اعترفت بأنها تحب بوفور، ولا فرق بين هذا الاعتراف وبين الجناية؛ لأنها بنت في عرفه وهي أم في عرف الحقيقة.
ثم وقفت فجاءة فأخذت يده بين يديها فضغطت عليها حتى أوشكت أن تلثمها وقالت: إني سأسألك أمرا أرجو قضاءه.
قال: هو مقضي مقدما.
قالت: لا تعد إلي قبل ثلاثة أو أربعة أيام، فسأكتب إلى أبي ومتى تلقيت جوابه أكتب إليك.
فتردد في البدء، ثم رأى أن طلبها عدل، فقال: ليكن ما تريدين فسأعود إليك يوم السبت؛ أي بعد ثلاثة أيام.
وقد تركها وانصرف، فكسبت مرسلين بذلك فرصة ثلاثة أيام، ولكن ما عساها تصنع في خلالها، فإنها إذا كتبت إلى أبيها أجابها بقوله: «إن الواجب والشرف يقضيان عليك بأن تبوحي بكل شيء.»
وكيف تبوح له بسرها الذي كانت ترجو أن ينزل معها إلى القبر؟ وكيف تخونه وتكتم عنه وهي ستكون زوجته مثل هذا لسر؟
وما زالت تتردد في أمرها حتى خطر لها أن تكتب إليه، فأقامت كل ليلها وهي تكتب حكايتها، حتى إذا فرغت منها ورأت ما كتبته قالت: كلا، إن هذا لا يكون. فمزقت الرسالة وألقت بها إلى المستوقد.
Bilinmeyen sayfa