Dil ve Edebiyat Üzerine Çalışmalar
مطالعات في اللغة والأدب
Türler
ومثله قوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب
إثما من الله ولا واغل
بإسكان الباء في «أشرب» إلى غير ذلك ... ومنه نوع لا يزال مستعملا في اللغة إلى اليوم، وإليك البيان: يقول النحاة: إن المسند إليه والمسند يرفعان؛ لأنهما عمدة، ولكننا نراهم ينصبون الأول بعد «إن» أو إحدى أخواتها، وينصبون الثاني بعد «كان» أو إحدى أخواتها، فلماذا نصبا إذا كانا عمدة؟ لا شك أن ذلك أثر من آثار التشويش في الإعراب. ومثله بناء «أي» على الضم في مثل قولهم: «سلم على أيهم أفضل»، وبناء الظروف المنقطعة عن الإضافة في مثل قولهم: «الحمد لله من قبل ومن بعد»، ومثل بناء بعض الألفاظ المبنية. فإذا كانت اللغة إعرابية فما معنى بناء بعض ألفاظها؟ ومثل إعمال «ما» على لغة أهل الحجاز وإهمالها على لغة أهل تميم؛ بل إعمالها على لغة أهل الحجاز بشرط أن تكون متصلة ولم ينتقض نفي خبرها بإلا، نحو: «ما زيد شاعرا»، وإهمالها إذا لم تكن كذلك، نحو: «ما قائم زيد»، و«ما غلامك عمرو ضارب»، و«ما زيد إلا شاعر»، و«ما إن عمرو كريم»، بخلاف «ليس» في ذلك كله مع أنها نافية مثلها، ومثل نصب جمع المؤنث السالم بالكسر، ومثل إعراب الفعل المضارع - ولا سيما في حالتي الرفع والنصب - فقد حار النحاة في سبب إعرابه، وغير ذلك مما ليس من غرضنا تعداده وإحصاؤه. وهذا النوع الثاني من التشويش أصبح قياسيا في اللغة، وأكبر لذة في درس اللغات تكون في هذا المزيج من المعقول وغير المعقول، والقياسي والشاذ، وقد قال أحد علماء اللغة: إن اللغة مثل صديق هفواته تعززه لدينا وتزيدنا حبا له.
تكلمنا عن الأدوار التي تدرج فيها الإعراب، وبقيت لنا كلمة في الإعراب نفسه، هل دلالة العلامات الإعرابية كالضمة والفتحة والكسرة والسكون على الحالات الإعرابية كالفاعلية والمفعولية والإضافية والطلبية اعتباطية أو وضعية؟ أي هل رفع الفاعل ونصب المفعول وخفض المضاف إليه وسكن الفعل الطلبي اتفاقا، أو هل هناك أسباب طبيعية لذلك؟
هذا بحث دقيق يحتمل كلاما طويلا نوافق في بعضه النحاة فنثني عليهم، ونخالفهم في البعض الآخر فنستميحهم العفو.
يقول النحاة: إن علامات الإعراب حركات وحروف، وهم يعتبرون الألف والواو والياء حروفا، والصحيح أن الألف حركة طويلة بالنسبة إلى الفتحة مثل الألف في «كتاب»، وممدودة مثل الألف في «سماء» و«مادة» فهي حركة لا حرف. وأما الواو والياء؛ فقد تكونان حركتين طويلتين بالنسبة إلى الضمة والكسرة، مثل: الواو والياء في «عود» و«عيد»، وحركتين ممدودتين مثل الواو في «وضوء» والياء في «مسيء »، وقد تكونان حرفين مثل الواو في «ثوب» والياء في «بيت»، فهما من الأشكال المشتركة بين الحروف والحركات، وهما تستعملان كعلامتي إعراب تارة باعتبار أنهما حركتان، وتارة باعتبار أنهما حرفان، وعلى ذلك فالأسماء الخمسة من المعربات بالحركات لا بالحروف، وجمع المذكر السالم والمثنى من المعربات بالحركات إلا جمع المذكر السالم من المنقوص، فإنه يعرب بالحروف، نحو: «جاء المصطفون»، و«رأيت المصطفين»، و«مررت بالمصطفين»، وإلا المثنى في حالتي النصب والخفض، نحو: «رأيت الرجلين»، و«مررت بالرجلين»، وعليه فجمع المذكر السالم والمثنى من المعربات بالحركات والحروف معا لا بالحروف وحدها كما يقول النحاة، ومما يعرب بالحروف - غير المثنى وجمع المذكر السالم المنقوص - الأفعال الخمسة من الفعل المضارع؛ فإثبات النون فيها يدل على حالة، وحذفها يدل على حالة أخرى. ولا يعرب بالحركات القصيرة - أي الضمة والفتحة والكسرة - من الأسماء غير الاسم المفرد وجمع التكسير وجمع المؤنث السالم، ويستثنى من ذلك الأسماء الخمسة في حالة الإضافة إلى غير ياء المتكلم؛ فإنها تعرب بالحركات الطويلة بدلا من الحركات القصيرة؛ ولعل السبب في ذلك أن اللغة العربية القديمة كانت تعرب بالواو والألف والياء، مثل: اللغة النبطية، ثم استبدلت الحركات الطويلة بحركات قصيرة للتخفيف في كل الأسماء إلا في الأسماء الخمسة فكان ذلك فيها أثرا باقيا من ذلك العهد.
وأما الفعل فلا نتعرض له الآن بل نترك الكلام عنه إلى محاضرة أخرى. إذا عرفنا علامات الإعراب يبقى علينا أن نعرف صفة كل منها، فالضم سواء كان بالضمة أم بالواو أقوى الحركات وأفخمها، والفتح سواء كان بالفتحة أم بالألف أخف الحركات لسهولة إخراج الصوت والفم مفتوح، والخفض سواء كان بالكسرة أم بالياء أثقل الحركات؛ لما يقع من التعاند بين إخراج الصوت وخفضه، وقد تنبه النحاة إلى شيء مثل هذا في مواضع مختلفة. واللغات التي يكثر فيها الضم تكون فخمة جزلة، والتي يكثر فيها الفتح تكون خفيفة رشيقة ، والتي يكثر فيها الخفض تكون ثقيلة مستبشعة ولا تناسب الغناء؛ لأن رفع الصوت مع الضم أو الفتح أسهل منه مع الخفض ، ويكثر هذا الصوت في لغة دون ذاك لأسباب عديدة أهمها الإقليم، فالذين يسكنون الأماكن الباردة يميلون في ألفاظهم إلى الضم والخفض، وبعبارة أخرى لا يفتحون أفواههم خوف البرد، والذين يسكنون الأماكن الحارة يميلون في ألفاظهم إلى الفتح استبرادا، ولما كان العرب سكان قفر حار يعيشون في الهواء الطلق كثر الفتح في لغتهم سواء كان حركة بنائية أم حركة إعرابية، وفي كل ذلك كلام لا يتسع له المقام. وأما إذا كانت علامات الإعراب بالحروف، فالواو في جمع الذكور السالم من المنقوص، والألف في المثنى أفخم من الياء فيهما، فعلامات الإعراب في الاسم تقسم بحسب ما تقدم إلى ثلاثة أقسام: قوية، وخفيفة، وثقيلة.
لنأت الآن إلى البحث في الحالات الإعرابية، يقول النحاة: إن حالات الاسم الإعرابية ثلاث: رفع، ونصب، وخفض؛ لأن الاسم لا يخلو أن يكون - على رأيهم - إما عمدة، وإما فضلة، وإما مشتركا بينهما، فحالة العمدة الرفع، وحالة الفضلة النصب، وحالة المشترك بينهما الخفض. وما هي العمدة؟ قالوا: هي ما لا ينعقد الكلام بدونه؛ كالفاعل في نحو: قام زيد. وما هي الفضلة؟ قالوا: هي ما زاد عن القدر المطلوب لانعقاد الكلام؛ كالمفعول به في نحو: ضرب زيد عمرا، وإن لم يكن فضلة في المعنى لاحتياج العبارة إليه في إتمام المراد منها. وما هو المشترك بينهما؟ قالوا: هو ما يكون تارة مكملا للعمدة، نحو: جاء غلام زيد، وتارة مكملا للفضلة، نحو: رأيت غلام زيد، ويقع تارة في موضع العمدة، نحو: سرني قدوم زيد، وتارة في موضع الفضلة، نحو: هذا ضارب زيد، وقد ألحقوا من العمد بالفضلات المنصوب في باب النواسخ، وبالمضاف إليه المجرور بالحرف، هذا ما يقوله النحاة. ولكن إذا كانت العمدة ما لا ينعقد الكلام بدونه؛ فكل جزء من الكلام عمدة لا يستغنى عنه، سواء في ذلك الأسماء والأفعال والحروف، وسواء كان الاسم فاعلا أم مفعولا به، أم مضافا إليه ، أم ظرفا، أم حالا، أم غير ذلك؛ لاحتياج العبارة إلى كل جزء من أجزائها في إتمام المراد منها، وإذا كانت الفضلة ما زاد عن القدر المطلوب لانعقاد الكلام فأحرى بذلك الزائد أن يصبح لغوا يجب حذفه لاستغناء العبارة عنه، وإذا كان المشترك بينهما ما كان مكملا للعمدة أو للفضلة فهل التكميل حالة إعرابية؟ وإذ كان حالة إعرابية، أما كان يجب أن تكون للاسم المكمل للعمدة علامة خصوصية غير علامته إذا كان مكملا للفضلة ليتميز الواحد عن الآخر؟! ثم إذا كان يقع تارة في موضع العمدة وتارة في موضع الفضلة، فلماذا لا يكون عمدة في الأول وفضلة في الثاني؟! وهنا ليسمح لنا النحاة أن نبدي رأيا آخر.
الاسم في الجملة قد يكون عمدة؛ ليس لأنه لا ينعقد الكلام بدونه؛ بل لأحد سببين آخرين: إما لأهميته، نحو: «الولد مجتهد»، الأول مسند إليه والثاني مسند، وكلاهما عمدة لا يستغني الواحد عن الآخر؛ إذ لا يكون مسند إليه بدون مسند، ولا مسند بدون مسند إليه ولو تقديرا، وإما لقوته بالنسبة إلى غيره في الجملة، نحو: «ضرب زيد عمرا»، لزيد وظيفتان: عمل الفعل والدلالة عليه، ولعمرو وظيفتان: قبول أثر الفعل والدلالة عليه؛ فلأنهما يشتركان في الدلالة على الفعل لخروجه من الأول ووقوعه على الثاني، فهما مهمان لا يستغني الواحد عن الآخر؛ إذ لا يكون ضارب بدون مضروب، ولكن لأن الأول عمل الفعل فهو قوي؛ ولأن الثاني وقع عليه الفعل فهو ضعيف، فهما يتساويان في الأهمية ولو لم يكن غير هذا الاعتبار لكان كلاهما عمدة، ولكن لأنهما يختلفان في القوة والضعف وجب أن ينظر إليهما باعتبار هذا الاختلاف؛ فالقوي منهما نعتبره عمدة لقوته وليس لأهميته، وإذا حذف الضارب وبقي المضروب لم يبق دليل آخر على وقوع الفعل غيره، ولأنه الدليل الوحيد فإنه يكتسب أهمية فينظر إليه باعتبارها ونعده عمدة، ويسقط عنه اعتبار الضعف؛ لأننا إنما نظرنا إليه باعتبار الضعف لوجود قوي بإزائه، فإذا ذهب القوي لم تبق حاجة إلى هذا الاعتبار، وسمي نائب فاعل لأنه ناب عنه في الدلالة على الفعل وليس في عمله. وقد يكون فضلة إما لضعفه بالنسبة إلى غيره ك «عمرا» في قولنا: «ضرب زيد عمرا» وإن كان مثل «زيد» في الأهمية كما قدمنا، وإما لكثرة دورانه في الكلام كالحال، نحو: «جاء زيد راكبا»، والظرف نحو: «جاء زيد صباحا»، وغير ذلك من المنصوبات، فإذا كان الاسم عمدة أخذ العلامة القوية الإعرابية للتناسب بين أهمية الكلمة في الجملة أو قوتها وبين قوة العلامة الإعرابية، وإذا كان فضلة اختاروا له العلامة الخفيفة، ولعلهم راعوا في ذلك الخفة لكثرة دوران الفضلة في الكلام.
Bilinmeyen sayfa