أو أن يكون هذا العلم الذي ذكرت، وفيه تكمهت وقلت شيئا أوجده الخالق المصور من بعد، وأخرجه من العدم إلى الوجود الواحد المقدر، فيكون في هذا غاية التجهيل لمن له القدرة المهيمن الجليل؛ لأنه إن كان إنما علم الأشياء بما خلق من العلم وذرأ، فقد كان الله الواحد الكريم من قبل إيجاد العلم غير عليم، ومتى زال عنه في حالة من الحالات أن يكون عالما بالسرائر والخفيات، أعقب ذلك الجهل أكبر الجهالات، لأن العلم والجهل ضدان مختلفان ، وفي كل المعاني متباينان، ومن نسب إلى الله سبحانه الجهل في حالة من الحالات أو نفى عنه العلم في وقت من الأوقات، فقد أشرك به، جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله، ومن أشرك به فقد جحده، ومن جحده فقد أنكره، ومن أنكره فلم يعرفه، ومن لم يعرفه فلم يعبده، ومن لم يعبده بعرفان، ويعرفه بغاية الإيقان، فهو كما قال الله سبحانه في واضح الفرقان فيما نزل على نبيه من النور والبرهان حين يقول: { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا } [الفرقان: 44] وكما قال سبحانه: { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } [الأعراف: 179] صدق الله ورسوله، إن في خلقه لمن هو كذلك، وعلى ما ذكر الله سبحانه من ذلك، من غير أن يكون أدخلهم فيه، ولا جبلهم عليه، تبارك وتعالى، بل هو منهم اكتساب، وقلة إنصاف منهم للألباب، ومكابرة للحق، ومعاندة للصدق، واقتداء من الأبناء بمن مضى من جهلة الآباء، فتبارك الله العالم بنفسه، العادل في كل فعله، الذي لم يزل عالما خابرا، ولم يكن في وقت من الأوقات بشيء جاهلا.
Sayfa 179