ولم يكتف الأستاذ جبور في وقوفه مع العلامة نولدكه على إظهاره هذا القدر من الدس. بل دفعه الأمر إلى مراجعة الباب كله. فإذا هو يستهل بالعبارة: «فرش ذكر خلفاء بني العباس وصفاتهم ووزرائهم وحجابهم
5
وهي المرة الوحيدة التي تستعمل فيها كلمة فرش في أول باب ما، إذ أن استعمالها في العقد كله واقع في أوائل الكتب لا في أوائل الفصول والأبواب.» وقد نبه إلى ذلك ابن عبد ربه نفسه في المقدمة؛ حيث قال: «وقد ألفت هذا الكتاب وتخيرت جواهره، من متخير جواهر الأدب، ومحصول جوامع البيان، فكان جوهر الجواهر ولباب اللباب.» وإنما لي فيه، تأليف الاختيار، وحسن الاختصار، وفرش لدور كل كتاب
6
زد على ذلك، أنه ليس في الباب هذا، فرش كما في أوائل الكتب، وإنما هو ذكر للفرش ليس إلا؛ حيث ترى أن الباب يبدأ بأبي العباس السفاح، دون توطئة أو تمهيد، أو فرش كما اصطلح ابن عبد ربه أن يقول.
وبحث الأستاذ جبور في فرش اليتيمة الثانية، يطلب ذكر هذا الباب فلم ير لذلك أثرا، وطلب فرش الدرة الثانية في أيام العرب ووقائعها، وهو الكتاب الذي يلي اليتيمة الثانية، يبحث عن ذكر لأخبار بني العباس، فلم يعثر على شيء. ثم عاد إلى مقدمة العقد نفسه، وفيها جدول بكتب العقد وفصولها، فلم ير في شرحه سوى «تم كتاب اليتيمة الثانية» في أخبار زياد والحجاج والطالبيين والبرامكة»، وهنا رأى الأستاذ جبور أنه يحق له أن لا يرتاح إلى أن هذه الأخبار عن بني العباس قد دونها ابن عبد ربه، وأن يزعم أنها ربما قد دست عليه بعد موته، أو أن قسما منها قد دس، ونقل القسم الآخر من موضع آخر؛ حيث إنه كان الأولى بابن عبد ربه - إن كان قد ألف هذين البابين - حملا على ما عرف عنه من حسن التبويب والتصنيف، وتبعا لما أخذ على نفسه في مقدمة عقده؛ حيث قال: «ثم قرنت كل جنس منها إلى جنسه فجعلته بابا على حدته؛ ليستدل الطالب للخبر على موضعه من الكتاب ونظيره من كل باب.» كان الأولى به أن يضع هذين البابين في الكتاب السابق - كتاب العسجدة الثانية - حيث يبحث في الخلفاء وتواريخهم وأيامهم، وحيث نرى بابا خاصا في أخبار الدولة العباسية.
7
ولابن عبد ربه، فصل في هذا الكتاب المذكور، يدور على توقيعات الخلفاء، فيه باب في توقيعات بني العباس،
8
ليس فيه توقيع لخليفة بعد المأمون، والغريب أن الذي دس في المواضع السابقة، قد فاته الدس هنا، وأن وقوف ابن عبد ربه عند المأمون ليحملن على الظن، أن أكثر الأخبار التي وردت في العقد، عن خلفاء بني العباس، ممن عقب المأمون، دست على ابن عبد ربه، بعد موته، وليس غريبا أن يصدق هذا الظن، لا سيما ونحن نعلم أن ابن عبد ربه، قد أخذ أكثر أخباره، عن كتب مدونة، لمؤلفين سبقوه، أكثرهم لم يدون أخبار من عقبوا المأمون. زد على ذلك، أن ابن عبد ربه، لم يذكر من توقيعات الأمراء المختلفين لأحد بعد طاهر بن الحسين، أحد قواد المأمون.
Bilinmeyen sayfa