İnsan Bilimlerinin Sorunu: Düzenlemeleri ve Çözüm Olasılığı
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Türler
ومن أوضح هذه التمثيلات على هذا هو النظرية في علم الاجتماع الذي يتميز بطبيعة خاصة، فهو يتعامل مع النسق الاجتماعي - نسق الأوضاع الإنسانية - حيث تتفاعل شتى الجوانب ككل متكامل، وكل علم من العلوم الإنسانية ينفرد ببحث جانب معين من جوانب هذا النسق أو النشاط. إن علم الاجتماع أكثر العلوم الإنسانية عمومية، شأن الفيزياء البحتة في علوم الطبيعة الجامدة والحية، وفي نسق العلم ككل. إنه - أي الاجتماع - الإطار المنطقي الضام لشتى مباحث العلوم الإنسانية، ونظرا لاتساع المدى المنطقي لعلم الاجتماع كانت النظرية الاجتماعية أكثر من سواها من نظريات فروع العلوم الإنسانية نهبا مستباحا للمؤثرات الثقافية الخارجية، بحيث أصبحت في حقيقتها خليطا يجمع بين الأيديولوجيا وبين الفلسفة والقيم الحضارية، بل والأهداف المعيارية وتصورات الحياة اليومية، وأحكام الحس المشترك، وبغير أن يصب هذا في إطار أو قالب منطقي مقنن؛ لذلك لا نجد نظرية اجتماعية علمية بالمعنى الدقيق، وقد أوضحنا هذا حين توقفنا لمناقشة النظرية الوظيفية، وأشرنا إلى سليلاتها، وحاولت السوسيومترية تدارك هذا بالإفراط في التجريب، أو معالجة الخطأ بالخطأ المضاد.
النظريات الاجتماعية المطروحة لا تتحقق فيها السمة العلمية الدقيقة الفعالة؛ لأنها ليست نظريات علمية بالمعنى المنطقي. النظرية العلمية ينبغي أن تشكل نسقا محددا يقوم على مجموعة من المفاهيم والقضايا التي تربط بين المفاهيم، بحيث تتخذ النظرية دورا استنباطيا، شكلا يعتمد طائفة من التعريفات والمصادرات المفضية إلى فروض جزئية حسب قواعد منطقية تفضي إلى تعميمات، بشرط أن تكون التعميمات الناتجة قابلة للاختبار التجريبي، أو التحقق الواقعي. أما النظرية أو النظريات الاجتماعية في وضعها الراهن فتفوق الجميع من حيث كونها نسقا مفتوحا من قمته وقاعدته على السواء، من قمتها تتسلل التقويمات، ومن قاعدتها تتسلل التعميمات الإمبريقية، خصوصا حين الإفراط في التجريب كالسويسوميترية. وهذا لأن الأيديولوجيا تخص النظرية الاجتماعية بالذات لاتساع مداها المنطقي بتوجهاتها أو بتشويهاتها إن لم تستأثر بها، وكانت السوسيوميترية رد فعل عكسيا لهذا، ومعها بالطبع الاتجاه السوسيولوجي الإمبيريقي الذي ساد في أمريكا ردحا من الزمن.
والحق أن كارل ماركس - والكثيرون يرونه المؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع، علم الاجتماع الديناميكي مقابل علم الاجتماع الوضعي السكوني الزائف - هو أول من لفت الأنظار إلى «التشويه الأيديولوجي» عموما ولعلم الاجتماع خصوصا، موضحا أن الأيديولوجيا هي نقيضة العلم، ويرى الفيلسوف الفرنسي المعاصر بول ريكور
أن ماركس استعار «التشويه الأيديولوجي» من نابليون. «فالأيديولوجيا» مصطلح نبت ونما في فرنسا، مع دي تراسي الذي استحدثه عام 1797م ليبشر بأسس نظام سياسي اجتماعي جديد يقوم على العلم بدلا من كل ترهات الماضي، ثم خرج المصطلح عن ارتباطه المزعوم والزائف بالعلم، على يد كوندياك. و«الأيديولوجيون» أصلا هم الذين ورثوا في فرنسا فكر كوندياك، واعتبروا الأيديولوجيا دراسة تحليلية للأفكار التي يكونها العقل البشري عن الأشياء، غير أن نابليون اتهم هؤلاء الأيديولوجيين المسالمين اتهامات كثيرة، واعتبرهم خطرا على النظام الاجتماعي، وهو بذلك أول من أعطى الأيديولوجيا دلالة سلبية قدحية. فيقول بول ريكور: «لا شك أنه خلف كل هجوم أو رفض للأيديولوجيا يختفي نابليون معين.»
26
والواقع أننا لا نهاجم الأيديولوجيا، ولا نعطيها دلالة سلبية قدحية، ولا دلالة إيجابية تقريظية، فإذا كانت الأيديولوجيا مجموعة الأفكار المبدئية العامة لكل جماعة معينة بشأن أصولها وأهدافها ومعاييرها ومصالحها الحضارية، فلا شك أن الأيديولوجيا إذن مقوم جوهري للمجتمع أو الجماعة، ولا يتأتى وجود القومية الواعي دون أيديولوجيا، بل يمكن أن نسير مع الإنثربولوجيين ونقول إن أي جماعة - مهما كانت بدائية - لها أيديولوجيا تقدمية، إن الأيديولوجيا تقوم بأدوار حضارية مهمة، ولكن ليس من بينها الدور المنوط بمنطق العلم، وحين تقتحم الأيديولوجيا مسار البحث العلمي، فلا بد أن ينتابه اعتوار يحول بينه وبين تحقيق أدق وأفضل لهدف العلم الإخباري، ووصف وتفسير ما هو كائن.
ونعود إلى ماركس - أول من رفع لواء التشويه الأيديولوجي - وسواء أكان نابليون يختفي فيه كما يرى ريكور أو لا يختفي، فإن الذي يهمنا الآن أن مبدأ فلسفة ماركس «المادية» يعني أن الحياة الواقعية للإنسان تسبق مبدئيا تمثلاته الذهنية، قد انعكس هذا في تناول ماركس لمسألة «التشويه الأيديولوجي»، بمعنى أنه بدأ بالتشويه الأيديولوجي للواقع، ثم ارتفع إلى التشويه الأيديولوجي للعلم. ففي عام 1844 أخرج ماركس الشاب كتابه الشهير «الأيديولوجيا الألمانية» حيث استفاد من أبحاث لودفيج فيورباخ في كتابه «ماهية الديانة المسيحية» ليوضح كيف تشوه الأيديولوجيا الواقع بأن تعكسه في وعي زائف. والحق أن مفهوم ماركس نفسه آنذاك عن الأيديولوجيا هو الذي كان شائعا. فقد كانت الأيديولوجيا عند ماركس في تلك المرحلة المبكرة تقوم على أن «الخيال الإنساني هو مجرد انعكاس لحياة الإنسان الواقعية ولممارساته، ذلك الانعكاس هو الأيديولوجيا بالتحديد. وهكذا تصبح الأيديولوجيا هي العملية العاملة التي بواسطتها تعمل التمثلات الخيالية للإنسان على تشويه حياته الواقعية وممارساته الفعلية، ويمكن أن نلاحظ مباشرة كيف ترتبط المهمة الثورية بنظرية الأيديولوجيا عند ماركس، فإذا كانت الأيديولوجيا مجرد صورة مشوهة، أو قلب، أو تزييف للحياة الواقعية، فإن المهمة الثورية ستعمل على إعادة الأمور إلى نصابها».
27
هكذا بدا التشويه الأيديولوجي منصبا على الواقع، وداخل هذه المرحلة المبكرة من الفكر الماركسي «مرحلة الأيديولوجيا الألمانية» لم يتم بعد معارضة الأيديولوجيا مع العلم، ما دام هذا العلم المزعوم لن يظهر إلا مع كتاب «رأس المال»،
28
Bilinmeyen sayfa